للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَهُوَ فِسْقٌ، وَلَوْ كَانَ يَقْتَنِي الْحَمَامَ فِي بَيْتِهِ لِيَسْتَأْنِسَ بِهِ لَا لِيُطَيِّرَ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّ إمْسَاكَ الْحَمَامِ فِي الْبُيُوتِ مُبَاحٌ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّاسَ يَتَّخِذُونَ بُرُوجًا لِلْحَمَامِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ إلَّا إذَا كَانَتْ تَجُرُّ حَمَامَاتٍ أُخَرَ مَمْلُوكَةً لِغَيْرِهِ فَتُفْرِخُ فِي وَكْرِهَا فَيَأْكُلُ وَيَبِيعُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْغَيْرِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ وَتَسْقُطُ عَدَالَتُهُ بِذَلِكَ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ يُغَنِّي لِلنَّاسِ)؛ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ النَّاسَ عَلَى لَهْوٍ وَلَعِبٍ وَلَا يَخْلُو عَادَةً مَنْ ارْتِكَابِ كَبِيرَةٍ بِالْمُجَازَفَةِ، وَالْكَذِبِ وَقَيَّدَهُ بِكَوْنِهِ يُغَنِّي لِلنَّاسِ أَيْ يُسْمِعُهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِإِسْمَاعِ نَفْسِهِ حَتَّى يُزِيلَ الْوَحْشَةَ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسْمِعَ غَيْرَهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَلَا يُسْقِطُ عَدَالَتَهُ فِي الصَّحِيحِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ الْبَرَاءَ بْنَ مَالِكٍ دَخَلَ عَلَيْهِ أَخُوهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَهُوَ يُغَنِّي، وَالْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ كَانَ مِنْ زُهَّادِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وَإِنْ أَنْشَدَ شِعْرًا فِيهِ وَعْظٌ وَحِكْمَةٌ فَهُوَ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ ذِكْرُ امْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ مَيِّتَةً أَوْ كَانَ فِيهِ ذِكْرُ امْرَأَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً وَهِيَ حَيَّةٌ يُكْرَهُ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ أَجَازَ الْغِنَاءَ فِي الْعُرْسِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِضَرْبِ الدُّفِّ فِيهِ إعْلَانًا لِلنِّكَاحِ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَعْلِنُوا النِّكَاحَ وَلَوْ بِالدُّفِّ» وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ إذَا كَانَ يَتَغَنَّى لِيَسْتَفِيدَ بِهِ نَظْمَ الْقَوَافِي وَيَصِيرَ بِهِ فَصِيحَ اللِّسَانِ لَا بَأْسَ بِهِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ كَرِهَهُ مُطْلَقًا وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ أَبَاحَهُ مُطْلَقًا وَنَحْنُ بَيَّنَّا الصَّحِيحَ مِنْ الْأَقَاوِيلِ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَرَمِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ يَرْتَكِبُ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ)؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ وَمَنْ يَرْتَكِبُهَا لَا يُبَالِي بِالْكَذِبِ وَكُلُّ مَنْ يَرْتَكِبُ الْكَبَائِرَ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ.

وَاخْتَلَفُوا فِي الْكَبِيرَةِ فَقَالَ أَهْلُ الْحِجَازِ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ هِيَ السَّبْعُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ وَهِيَ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ، وَالْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَبَهْتُ الْمُؤْمِنِ، وَالزِّنَا وَشُرْبُ الْخَمْرِ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ عَلَيْهَا أَكْلَ الرِّبَا وَأَكْلَ مَالِ الْيَتِيمِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَا ثَبَتَ حُرْمَتُهُ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ فَهِيَ كَبِيرَةٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَا فِيهِ حَدٌّ أَوْ قَتْلٌ فَهُوَ كَبِيرَةٌ وَقِيلَ كُلُّ مَا أَصَرَّ عَلَيْهِ الْمَرْءُ فَهُوَ كَبِيرَةٌ وَمَا اسْتَغْفَرَ عَنْهُ فَهُوَ صَغِيرَةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَغِيرَةَ مَعَ الْإِصْرَارِ وَلَا كَبِيرَةَ مَعَ الِاسْتِغْفَارِ» وَقَالَ بَعْضُهُمْ كُلُّ مَا كَانَ عَمْدًا فَهُوَ كَبِيرَةٌ، وَالْأَوْجَهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُتَكَلِّمُونَ أَنَّ الْكَبِيرَةَ، وَالصَّغِيرَةَ اسْمَانِ إضَافِيَّانِ لَا يُعَرَّفَانِ بِذَاتِهِمَا، وَإِنَّمَا يُعَرَّفَانِ بِالْإِضَافَةِ فَكُلُّ ذَنْبٍ إذَا نَسَبْته إلَى مَا دُونَهُ فَهُوَ كَبِيرَةٌ، وَإِذَا نَسَبْته إلَى مَا فَوْقَهُ فَهُوَ صَغِيرَةٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كُلُّ مَعْصِيَةٍ أَوْعَدَ عَلَيْهَا فِي الْقُرْآنِ أَوْ فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ تَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ شَاهِدَ الزُّورِ مَوْعُودٌ عَلَيْهِ فَمَنْ يَرْتَكِبُ مِثْلَهُ مِنْ الذُّنُوبِ يَرْتَكِبُهُ فَصَلُحَ دَلِيلًا عَلَى ارْتِكَابِهِ الْكَذِبَ؛ لِأَنَّ مَنْ ارْتَكَبَ شَيْئًا مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ ارْتَكَبَ نَظِيرَهُ عَادَةً وَقِيلَ: إذَا ارْتَكَبَ مَا يَكُونُ شَنِيعًا عَادَةً فَلَيْسَ بِعَدْلٍ وَقِيلَ مَا كَانَ حَرَامً الِعَيْنِهِ فَكَبِيرَةٌ وَإِلَّا فَصَغِيرَةٌ وَقِيلَ مَا سُمِّيَ فِي الشَّرْعِ فَاحِشَةً فَكَبِيرَةٌ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ بِغَيْرِ إزَارٍ)؛ لِأَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ حَرَامٌ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَعَنَ اللَّهُ النَّاظِرَ، وَالْمَنْظُورَ» وَرَأَى أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَجُلًا فِي الْحَمَّامِ بِغَيْرِ إزَارٍ فَقَالَ أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ خَافُوا إلَهَكُمْ وَلَا تَدْخُلُوا الْحَمَّامَ مِنْ غَيْرِ مِئْزَرٍ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ مَنْ يَمْشِي فِي الطَّرِيقِ بِالسَّرَاوِيلِ وَحْدَهُ لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ تَارِكٌ لِلْمُرُوءَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ يَأْكُلُ الرِّبَا)؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ وَشُرِطَ فِي الْأَصْلِ أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا بِهِ وَذَلِكَ بِالْإِدْمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ وَهُوَ رِبًا بِخِلَافِ أَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِدْمَانُ؛ لِأَنَّ التَّحَرُّزَ عَنْهُ مُمْكِنٌ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ وَفِي الرِّبَا يَدْخُلُ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِدْمَانُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ يُقَامِرُ بِالنَّرْدِ، وَالشِّطْرَنْجِ أَوْ تَفُوتُهُ الصَّلَاةُ بِسَبَبِهِمَا)؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ فِسْقٌ وَكَذَا إذَا كَانَ يُكْثِرُ عَلَيْهِ الْحَلِفَ كَاذِبًا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

وَهِيَ مَحْذُوفَةُ اللَّامِ وَقَدْ اُسْتُعْمِلَتْ مُتَمَّمَةً دَدَى كَنَدَى، وَدَدَنُ كَبَدَنِ وَلَا يَخْلُو الْمَحْذُوفُ أَنْ يَكُونَ يَاءً كَقَوْلِهِمْ يَدٌ فِي يَدِي أَوْ نُونًا كَقَوْلِهِمْ لَدٌ فِي لَدُنْ وَمَعْنَى تَنْكِيرِ الدَّدِ الشِّيَاعُ وَالِاسْتِغْرَاقُ وَأَنْ لَا يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا وَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْهُ أَيْ مَا أَنَا فِي شَيْءٍ مِنْ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ وَتَعْرِيفُهُ فِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَعْهُودًا بِالذِّكْرِ كَأَنَّهُ قَالَ وَلَا ذَلِكَ النَّوْعُ مِنِّي، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ وَلَا هُوَ مِنِّي؛ لِأَنَّ الصَّرِيحَ آكَدُ وَأَبْلَغُ. اهـ. ابْنُ الْأَثِيرِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ يَقْتَنِي الْحَمَامَ فِي بَيْتِهِ إلَخْ) أَوْ لِحَمْلِ الْكُتُبِ كَمَا فِي دِيَارِ مِصْرَ وَالشَّامِ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: لِمَا رُوِيَ أَنَّ الْبَرَاءَ بْنَ مَالِكٍ دَخَلَ عَلَيْهِ أَخُوهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَهُوَ يُغَنِّي) وَكَانَ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ حَسَنَ الصَّوْتِ. اهـ. الْإِصَابَةُ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُتَكَلِّمُونَ إلَخْ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَقِيلَ أَصَحُّ مَا فِيهِ مَا نُقِلَ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ مَا كَانَ شَنِيعًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَفِيهِ هَتْكُ حُرْمَةِ اللَّهِ وَالدِّينِ فَهُوَ كَبِيرَةٌ وَكَذَا الْإِعَانَةُ عَلَى الْمَعَاصِي وَالْفُجُورِ وَالْحَثِّ عَلَيْهَا مِنْ جُمْلَةِ الْكَبَائِرِ كَذَا الذَّخِيرَةُ وَالْمُحِيطُ. اهـ.

(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ أَوْ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ إلَخْ) قَالَ قَاضِي خَانْ وَلَا شَهَادَةُ مَنْ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ بِغَيْرِ إزَارٍ إذَا لَمْ يُعْرَفْ رُجُوعُهُ عَنْ ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ حَرَامٌ) أَيْ وَمُرْتَكِبُ الْحَرَامِ فَاسِقٌ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فِي الشَّرْحِ مِنْ غَيْرِ مِئْزَرٍ) الَّذِي سَمِعْته مِنْ شَيْخِي الْعَلَّامَةِ الْغَزِّيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَّا بِمِئْزَرٍ اهـ. (قَوْلُهُ وَشَرَطَ فِي الْأَصْلِ أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا بِهِ)؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا بِهِ فَطَرِيقُهُ التُّهْمَةُ وَعَدَالَتُهُ ظَاهِرَةٌ فَلَا تَبْطُلُ بِتُهْمَةِ مَعْصِيَةٍ لَمْ تَتَحَقَّقْ. اهـ. غَايَةٌ

(فَرْعٌ) قَالَ النَّاصِحِيُّ فِي تَهْذِيبِ أَدَبِ الْقَاضِي حُكِيَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّ شَيْخًا لَوْ صَارَعَ الْأَحْدَاثَ فِي الْجَامِعِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا سُخْفٌ، وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ بِفِسْقِهِ لِذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَرْعٌ) وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الطُّفَيْلِيِّ وَالْمُشَعْوِذِ وَالرَّقَّاصِ وَالْمَسْخَرَةِ بِلَا خِلَافٍ. اهـ. مِعْرَاجُ الدِّرَايَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>