للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ الْكَبَائِرِ وَقَالُوا فِي النَّرْدِ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ بِمُجَرَّدِ اللَّعِبِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ الْقِمَارِ وَلَا غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ اللَّعِبِ فِيهِ فِسْقٌ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَلْعُونٌ مَنْ يَلْعَبُ بِالنَّرْدِ» وَمَنْ يَكُونُ مَلْعُونًا كَيْفَ يَكُونُ عَدْلًا بِخِلَافِ الشِّطْرَنْجِ؛ لِأَنَّ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسَاغًا فَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ مَا لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ أَحَدُ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا آنِفًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ يَبُولُ أَوْ يَأْكُلْ عَلَى الطَّرِيقِ أَوْ يُظْهِرُ سَبَّ السَّلَفِ) يَعْنِي الصَّالِحِينَ مِنْهُمْ وَهُمْ الصَّحَابَةُ، وَالتَّابِعُونَ، وَالْعُلَمَاءُ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَدُلُّ عَلَى قُصُورِ عَقْلِهِ وَقِلَّةِ مُرُوءَتِهِ وَمَنْ لَمْ يَمْتَنِعْ عَنْ مِثْلِهَا لَا يَمْتَنِعُ عَنْ الْكَذِبِ عَادَةً بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يُخْفِي السَّبَّ، وَكَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يَأْكُلُ فِي السُّوقِ بَيْنَ أَيْدِي النَّاسِ لِمَا ذَكَرْنَا وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْحِرَفِ لِكَثْرَةِ الْأَيْمَانِ الْفَاجِرَةِ مِنْهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ عُرِفَ مِنْهُمْ بِالْعَدَالَةِ وَلَا تُقْبَلُ مِمَّنْ يُكْثِرُ شَتْمَ أَهْلِهِ وَلَا مِمَّنْ يَشْتُمُ النَّاسَ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُقْبَلُ لِأَخِيهِ وَعَمِّهِ وَأَبَوَيْهِ رَضَاعًا وَأُمِّ امْرَأَتِهِ وَبِنْتِهَا وَزَوْجِ بِنْتِهِ وَامْرَأَةِ أَبِيهِ وَابْنِهِ)؛ لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ بَيْنَهُمْ مُتَمَيِّزَةٌ، وَالْأَيْدِي مُتَحَيِّزَةٌ وَلَا سَطْوَةَ لِبَعْضِهِمْ فِي مَالِ الْبَعْضِ فَلَا تَتَحَقَّقُ التُّهْمَةُ بِخِلَافِ شَهَادَتِهِ لِقَرَابَتِهِ وِلَادًا أَوْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَهْلُ الْأَهْوَاءِ إلَّا الْخَطَّابِيَّةِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ فَسَقَةٌ إذْ الْفِسْقُ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ أَغْلَظُ مِنْ الْفِسْقِ مِنْ حَيْثُ التَّعَاطِي وَلَا شَهَادَةَ لِلْفَاسِقِ وَلَنَا أَنَّ الْفَاسِقَ إنَّمَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لِتُهْمَةِ الْكَذِبِ، وَالْفِسْقُ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ بَلْ مَا أَوْقَعَهُ فِيهِ إلَّا تَدَيُّنُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ فِيهِمْ مَنْ يَكْفُرُ بِالذَّنْبِ وَفِيهِمْ مَنْ يَجْعَلُ مَنْزِلَتَهُ بَيْنَ الْإِيمَانِ، وَالْكُفْرِ فَيَكُونُ هُوَ أَقْوَى اجْتِنَابًا عَنْ الْكَذِبِ حَذَرًا عَنْ الْخُرُوجِ مِنْ الدِّينِ وَلِأَنَّهُ مُسْلِمٌ عَدْلٌ لَا يَتَعَاطَى الْكَذِبَ فَوَجَبَ قَبُولُ شَهَادَتِهِ قِيَاسًا عَلَى غَيْرِ صَاحِبِ الْهَوَى وَهَوَاهُ عَنْ تَأْوِيلٍ وَتَدَيُّنٍ فَلَا تَبْطُلُ عَدَالَتُهُ بِهِ كَمَنْ يَسْتَبِيحُ الْمُثَلَّثَ أَوْ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ وَاسْتَدَلَّ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِ فَقَالَ أَرَأَيْت أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَاعَدُوا مُعَاوِيَةَ عَلَى مُخَالَفَةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلَوْ شَهِدُوا بَيْنَ يَدَيْ عَلِيٍّ أَكَانَ يَرُدُّ شَهَادَتَهُمْ، وَمُخَالَفَةُ عَلِيٍّ بَعْدَ عُثْمَانَ بِدْعَةٌ وَهَوَاءٌ فَكَيْفَ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ بِالسَّيْفِ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ عِنْدَهُ تَأْوِيلٌ وَتَدَيُّنٌ لَمْ يَمْنَعْ قَبُولَ شَهَادَتِهِ وَشَرَطَ فِي الذَّخِيرَةِ لِقَبُولِ شَهَادَتِهِ أَنْ يَكُونَ هَوًى لَا يَكْفُرُ بِهِ صَاحِبُهُ وَفِي النِّهَايَةِ أَنَّ أُصُولَ أَهْلِ الْهَوَى سِتَّةٌ الْجَبْرُ، وَالْقَدَرُ، وَالرَّفْضُ، وَالْخُرُوجُ، وَالتَّشْبِيهُ، وَالتَّعْطِيلُ ثُمَّ كُلُّ وَاحِدٍ يَصِيرُ اثْنَتَا عَشْرَةَ فِرْقَةً، وَالْخَطَّابِيَّةُ قَوْمٌ مِنْ الرَّوَافِضِ يُنْسَبُونَ إلَى أَبِي الْخَطَّابِ مُحَمَّدِ بْنِ وَهْبٍ الْأَجْدَعِ يَسْتَجِيزُونَ أَنْ يَشْهَدُوا لِلْمُدَّعِي إذَا حَلَفَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ مُحِقٌّ وَيَقُولُونَ الْمُسْلِمُ لَا يَحْلِفُ كَاذِبًا فَبِاعْتِقَادِهِمْ هَذَا تَمَكَّنَتْ شُبْهَةٌ فِي شَهَادَتِهِمْ فَلَعَلَّهُ أَقْدَمَ عَلَى الشَّهَادَةِ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَقِيلَ: إنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ مَنْ ادَّعَى مِنْهُمْ شَيْئًا عَلَى غَيْرِهِ يَجِبُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بَقِيَّةُ شِيعَتِهِ وَذَكَرَ الْأَقْطَعُ أَنَّهُمْ قَوْمٌ يُنْسَبُونَ إلَى أَبِي الْخَطَّابِ رَجُلٌ كَانَ بِالْكُوفَةِ قَتَلَهُ عِيسَى بْنُ مُوسَى وَصَلَبَهُ بِالْكَنَائِسِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ الْإِلَهُ الْأَكْبَرُ وَجَعْفَرًا الصَّادِقَ الْإِلَهُ الْأَصْغَرُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالذِّمِّيُّ عَلَى مِثْلِهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَالِكٌ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الذِّمِّيِّ عَلَى ذِمِّيٍّ مِثْلِهِ وَلَا عَلَى الْحَرْبِيِّ؛ لِأَنَّهُمْ فَسَقَةٌ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى فِسْقَهُمْ فِي آيَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَهُوَ أَغْلَظُ مِنْ الْفِسْقِ تَعَاطِيًا فَكَانَ أَوْلَى بِرَدِّ شَهَادَتِهِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَمَلْعُونٌ مَنْ يَلْعَبُ بِالنَّرْدِ») وَهُوَ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: فَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ مَا لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ أَحَدُ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ أَحَدُ هَذِهِ وَلَعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ وَحَافَظَ عَلَى الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا وَلَمْ يُقَامِرْ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَحْلِفْ بِالْكَذِبِ، فَإِنَّهُ لَا تَسْقُطُ شَهَادَتُهُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي حُرْمَةِ اللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ وَإِبَاحَتِهِ عِنْدَ انْعِدَامِ هَذِهِ الْمَعَانِي فَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ يَحِلُّ كَذَا نَقَلَ مَذْهَبَهُمَا شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي فِي بَابِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ الشُّهُودِ وَلِأَنَّ النَّاسَ لَا يَعُدُّونَهُ مِنْ الْكَبَائِرِ وَلَا يَسْتَخِفُّونَ صَاحِبَهُ فَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ أَوْ يَبُولُ أَوْ يَأْكُلُ عَلَى الطَّرِيقِ) أَيْ بِمَرْأَى النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ تَارِكٌ لِلْمُرُوءَةِ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ.

(قَوْلُهُ وَكَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يَأْكُلُ إلَخْ) وَاَلَّذِي وَجَدْته بِخَطِّ شَيْخِنَا مَكْتُوبًا بَعْدَ يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ إلَخْ) قَالَ الْكَاكِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ مَنْ كَانَ لَهُ مُرُوءَةٌ وَكُلُّ فِعْلٍ فِيهِ تَرْكُ الْمُرُوءَةِ يُوجِبُ سُقُوطَ شَهَادَتِهِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ حَتَّى لَوْ مَشَى فِي السُّوقِ أَوْ فِي مَجَامِعِ النَّاسِ بِسَرَاوِيلَ وَاحِدٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَكَذَا مَنْ يَمُدُّ رِجْلَيْهِ عِنْدَ النَّاسِ أَوْ يَكْشِفُ رَأْسَهُ فِي مَوْضِعٍ لَا عَادَةَ فِيهِ مِمَّا يَجْتَنِبُهُ أَهْلُ الْمُرُوآتِ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتُقْبَلُ لِأَخِيهِ وَعَمِّهِ إلَخْ) وَذَلِكَ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: ٢] فَيُعْمَلُ بِعُمُومِهِ إلَّا مَا وَرَدَ التَّخْصِيصُ بِالدَّلِيلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَأَهْلُ الْأَهْوَاءِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَرَادَ بِأَهْلِ الْأَهْوَاءِ أَصْحَابَ الْبِدَعِ كَالْخَارِجِيِّ وَالرَّافِضِيِّ الْجَبْرِيِّ وَالْقَدَرِيِّ وَالْمُشَبِّهِ وَالْمُعَطِّلِ وَيُسَمَّى أَهْلُ الْبِدَعِ أَهْلَ الْأَهْوَاءِ لِمَيْلِهِمْ إلَى مَحْبُوبِ أَنْفُسِهِمْ بِلَا دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ أَوْ عَقْلِيٍّ فَالْهَوَى مَحْبُوبُ النَّفْسِ مِنْ هَوَى الشَّيْءَ إذَا أَحَبَّهُ وَقَدْ مَرَّ فِي التَّبْيِينِ فِي بَابِ أَقْسَامِ السُّنَّةِ اهـ (قَوْلُهُ: بِالْكَنَائِسِ) كَذَا هُوَ فِي نُسَخِ هَذَا الشَّرْحِ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْكَمَالُ وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلْأَتْقَانِيِّ نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الْأَقْطَعِ وَصَلْبِهِ بِالْكُنَاسَةِ اهـ.

قَالَ فِي مُعْجَمِ الْبُلْدَانِ لِيَاقُوتِ الْكُنَاسَةُ بِالضَّمِّ مَحَلَّةٌ بِالْكُوفَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ يَاقُوتُ الْكَنَائِسَ وَقَدْ وَقَفْت عَلَى نُسْخَةٍ مِنْ شَرْحِ الْأَقْطَعِ مُعْتَمَدَةً بِخَطِّ شَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ قَاضِي الْقُضَاةِ الْغَزِّيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَصُّهَا فَهُمْ يَعْنِي الْخَطَّابِيَّةِ قَوْمٌ يُنْسَبُونَ إلَى أَبِي الْخَطَّابِ رَجُلٌ كَانَ بِالْكُوفَةِ قَتَلَهُ عِيسَى بْنُ مُوسَى وَصَلَبَهُ بِالْكُنَاسَةِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَالذِّمِّيُّ عَلَى مِثْلِهِ) اتَّفَقَتْ مِلَّتُهُمَا أَوْ اخْتَلَفَتْ. اهـ. (قَوْلُهُ: بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى فِسْقَهُمْ فِي آيَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>