للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِهَذَا لَا يُعْتَبَرُ مَعَ الْمُبَاشِرِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ اعْتِبَارُ الْمُبَاشِرِ فَكَانَتْ فِيهِ شُبْهَةٌ، وَالْقِصَاصُ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ دُونَ ضَمَانِ الْمَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَجِبُ فِي الْخَطَأِ، وَالْمَالَ يَجِبُ، وَالْخَطَأُ أَقْوَى مِنْ التَّسْبِيبِ لِوُجُودِ الْمُبَاشَرَةِ فِيهِ وَلِهَذَا يُوجِبُ حِرْمَانَ الْإِرْثِ بِخِلَافِ التَّسْبِيبِ فَأَوْلَى أَنْ يَسْقُطَ بِهِ الْقِصَاصُ وَقَوْلُهُ إذَا قَبَضَ الْمُدَّعِي الْمَالَ دَيْنًا كَانَ أَوْ عَيْنًا وَهَذَا اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ يَتَحَقَّقُ بِقَبْضِ الْمُدَّعِي مَالَهُ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعَيْنِ، وَالدَّيْنِ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إنْ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ دَيْنًا فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ عَيْنًا يَجِبُ عَلَى الشُّهُودِ الضَّمَانُ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ الْمَشْهُودُ لَهُ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ مُقَيَّدٌ بِالْمُمَاثَلَةِ فَفِي الْعَيْنِ زَوَالُ مِلْكِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ عَنْهَا بِالْقَضَاءِ.

أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا وَجَازَ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ ذَلِكَ وَفِي الدَّيْنِ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ فَلَوْ رَجَعَ عَلَيْهِ قَبْلَهُ لَمْ تَتَحَقَّقْ الْمُمَاثَلَةُ إذْ لَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ أَخْذِ الْعَيْنِ وَإِيجَابِ الدَّيْنِ وَفِي الْعَيْنِ تَتَحَقَّقُ وَكَذَلِكَ فِي الْعَقَارِ يَضْمَنُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ عِنْدَهُمْ؛ لِأَنَّ الْعَقَارَ يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ بِخِلَافِ الْغَصْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِهِ فِيهِ وَهَذَا الْإِتْلَافُ يَتَحَقَّقُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ بِالْكَلَامِ فَصَارَ كَالْوَدِيعَةِ، فَإِنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْعَقَارَ عِنْدَ شَخْصٍ فَأَقَرَّ بِهِ الْمُودِعُ لِغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِلْمُودِعِ لِتَحَقُّقِ الْإِتْلَافِ فِيهِ بِهَذَا الطَّرِيقِ، وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ بِطَرِيقِ الْغَصْبِ، وَإِنْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ حَلَّلَهُ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِهِ أَوْ وَهَبَهُ إيَّاهُ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا الْمَالَ الْمَشْهُودَ بِهِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَصِيرُ مَالًا فِي الْعَاقِبَةِ بِالْقَبْضِ فَيَتَحَقَّقُ الْإِتْلَافُ فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَا بِالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ ثُمَّ رَجَعَا حَيْثُ لَا يَضْمَنَانِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَيْسَ بِمَالٍ؛ لِأَنَّ الْمَالَ غَيْرُ الْآدَمِيِّ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا ضَمِنَ النِّصْفَ، وَالْعِبْرَةُ لِمَنْ بَقِيَ لَا لِمَنْ رَجَعَ) وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي بَابِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَوَجَبَ الضَّمَانُ مَعَ بَقَاءِ مَنْ يَقُومُ بِكُلِّ الْحَقِّ بِأَنْ بَقِيَ النِّصَابُ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَقِيَ مَنْ يَقُومُ بِنِصْفِ الْحَقِّ فَيَجِبُ ضَمَانُ النِّصْفِ وَلَا يُقَالُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ بِبَعْضِ الْعِلَّةِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَبْقَى بِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ يَجُوزُ أَنْ يَبْقَى الْحُكْمُ بِبَعْضِ الْعِلَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ ابْتِدَاءً كَالْحَوْلِ الْمُنْعَقِدِ عَلَى النِّصَابِ يَبْقَى بِبَقَاءِ بَعْضِ النِّصَابِ، وَإِنْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ: وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ) أَيْ خُوَاهَرْ زَادَهْ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ عَيْنًا يَجِبُ عَلَى الشُّهُودِ الضَّمَانُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجْهُ قَوْلِ السَّرَخْسِيِّ فِي شَرْطِ الْقَبْضِ لِضَمَانِ الْعَيْنِ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي بِالْمِلْكِ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ فِي زَعْمِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ بَاطِلٌ وَالْمَرْءُ مُؤَاخَذٌ بِزَعْمِهِ فَلَا يَضْمَنُ الشُّهُودُ مَا لَمْ يَخْرُجْ الْمِلْكُ عَنْ يَدِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ الْمَشْهُودُ لَهُ) وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ مِنْ الشَّامِلِ فَقَالَ شَهِدَا بِعَيْنٍ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا قِيمَتَهُ قَبَضَهُ الْمَشْهُودُ لَهُ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُمَا أَزَالَا مِلْكَ الْآخَرِ عَنْ الْعَيْنِ الْمَقْضِيِّ بِهِ أَوْ؛ لِأَنَّهُمَا حَالَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ دَيْنًا ثُمَّ رَجَعَ الشُّهُودُ قَبْلَ قَبْضِ الدَّيْنِ لَا يَضْمَنُونَ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا وَمَا حَالَا وَلِأَنَّهُمَا أَوْجَبَا دَيْنًا وَلَا يُوجِبُ ضَمَانَ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْعُدْوَانِ مُقَيَّدٌ بِالْمِثْلِ وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ لَا جُرْمَ لَوْ قَبَضَ الْمَشْهُودُ لَهُ وَصَارَ عَيْنًا يَضْمَنُ إلَى هُنَا لَفْظُ الشَّامِلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(فُرُوعٌ) شَهِدَا أَنَّهُ أَجَّلَهُ إلَى سَنَةٍ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَاهُ حَالًّا ثُمَّ يَرْجِعَانِ عَلَى الْمَطْلُوبِ بَعْدَ السَّنَةِ وَلَوْ تَوَى مَا عَلَى الْمَطْلُوبِ لَوْ يَرْجِعَا عَلَى الطَّالِبِ بِخِلَافِ الْحَوَالَةِ شَهِدَا عَلَى هِبَةِ عَبْدٍ وَتَسْلِيمٍ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا قِيمَتَهُ لِلْمَالِكِ وَلَا رُجُوعَ لِلْوَاهِبِ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ وَلَا عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ كَالْعِوَضِ، وَإِنْ لَمْ يُضَمِّنْ الْوَاهِبُ الشَّاهِدَيْنِ لَهُ الرُّجُوعُ شَهِدَا أَنَّهُ بَاعَ عَبْدَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ إلَى سَنَةٍ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ مِائَةٌ وَقَضَى بِهِ ثُمَّ رَجَعَا يُخَيِّرُ الْبَائِعَ بَيْنَ رُجُوعِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي إلَى سَنَةٍ وَبَيْنَ تَضْمِينِ الشَّاهِدَيْنِ قِيمَتَهُ حَالَّةً وَلَا يُضَمِّنُهُمَا الْخَمْسَمِائَةِ، فَإِنْ ضَمَّنَ الشَّاهِدَيْنِ رَجَعَا عَلَى الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ؛ لِأَنَّهُمَا قَامَا مَقَامَ الْبَائِعِ بِالضَّمَانِ وَطَابَ لَهُمَا قَدْرُ مِائَةٍ وَتَصَدَّقَا بِالْفَضْلِ. اهـ. كَمَالٌ مَعَ حَذْفِ فُرُوعٍ مِنْهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الضَّمَانَ) أَيْ ضَمَانَ الْإِتْلَافِ وَضَمَانُ الْإِتْلَافِ إلَخْ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَجَازَ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ ذَلِكَ وَفِي الدَّيْنِ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ) وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ يُوَافِقُ فِي وَجْهِ الدَّيْنِ وَيَقُولُ فِي الْعَيْنِ: إنَّ الْمِلْكَ، وَإِنْ ثَبَتَ فِيهِ لِلْمُدَّعِي بِمُجَرَّدِ الْقَضَاءِ لَكِنْ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ يَزْعُمُ أَنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْمَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ مِلْكُهُ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الشَّاهِدَ شَيْئًا مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ يَدِهِ قَالَ الْبَزَّازِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَتَاوِيهِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى الضَّمَانُ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالشَّهَادَةِ قَبَضَ الْمُدَّعِي الْمَالَ أَوْ لَا. اهـ. كَمَالٌ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ مَا نَصُّهُ الشَّاهِدَانِ إذَا رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا رُجُوعًا مُعْتَبَرًا يَعْنِي عِنْدَ الْقَاضِي لَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ لَكِنْ ضَمِنَا الْمَالَ الَّذِي شَهِدَا بِهِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْآخَرُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى سَوَاءٌ قَبَضَ الْمَقْضِيُّ لَهُ الْمَالَ الَّذِي قَضَى بِهِ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ وَكَذَا الْعَقَارُ. اهـ.

(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَالْعِبْرَةُ لِمَنْ بَقِيَ لَا لِمَنْ رَجَعَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْأَصْلُ هُنَا مَا ذَكَرُوا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الرُّجُوعِ لِبَقَاءِ مَنْ بَقِيَ لَا لِرُجُوعِ مَنْ رَجَعَ وَأَنَّ الشَّاهِدَ فِي رُجُوعِهِ يَضْمَنُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ مَا أَثْبَتَ بِشَهَادَتِهِ لِلْمَشْهُودِ لَهُ وَرُجُوعُهُ يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الضَّمَانِ عَلَيْهِ لَا فِي إبْطَالِ مَا ثَبَتَ لِلْمَشْهُودِ لَهُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا الْعِبْرَةُ لِبَقَاءِ مَنْ بَقِيَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْعِبْرَةُ لِرُجُوعِ مَنْ رَجَعَ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الضَّمَانُ وَاجِبًا عَلَى الرَّاجِعِ مَعَ بَقَاءِ الْحَقِّ عِنْدَ وُجُودِ الْمُبْقِي كَمَا إذَا رَجَعَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ ضَمَانُ الْإِتْلَافِ بِلَا تَلَفٍ وَهُوَ فَاسِدٌ إذْ الْحَقُّ بَاقٍ لَمْ يَتْلَفْ مِنْهُ شَيْءٌ بِبَقَاءِ الشَّاهِدَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَالْحَوْلِ الْمُنْعَقِدِ عَلَى النِّصَابِ يَبْقَى إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ: وَأَمَّا مَا أَوْرَدَ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي إذَا رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْ الِاثْنَيْنِ لَا يَبْقَى شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِ شَيْءٌ أَصْلًا فَيَقْتَضِي أَنْ يَضْمَنَ الْوَاحِدُ الرَّاجِعُ كُلَّ الْمَالِ فَهُوَ مُصَادِمٌ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى نَفْيِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْإِجْمَاعُ عَلَى نَفْيِهِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ ثُبُوتِ شَيْءٍ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ إنَّمَا هُوَ فِي الِابْتِدَاءِ وَلَا يَلْزَمُ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>