الْقِصَاصَ سَقَطَ فِيهِ لِمَعْنًى مِنْ جِهَةِ مَنْ لَهُ فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ وَفِي النُّكُولِ لِمَعْنًى مِنْ جِهَةِ مَنْ عَلَيْهِ فَيُصَارُ إلَى الْأَرْشِ وَنَظِيرُهُ إذَا أَقَرَّ بِالْقَتْلِ خَطَأً وَالْوَلِيُّ يَدَّعِي الْعَمْدَ تَجِبُ الدِّيَةُ وَبِالْعَكْسِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ بِخِلَافِ الضَّمَانِ فِي السَّرِقَةِ حَيْثُ يَجِبُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَأَمْثَالِهِ كَمَا يَجِبُ بِالنُّكُولِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ فِيهِ أَصْلٌ ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى الْحَدِّ، فَإِذَا قَصَرَ يَبْقَى الْأَصْلُ عَلَى حَالِهِ وَهُنَا الْأَصْلُ الْقِصَاصُ ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى الْمَالِ إذَا وُجِدَ شَرْطُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكُ الْأَمْوَالِ حَتَّى أُبِيحَ قَطْعُهَا لِلْحَاجَةِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْقَاطِعِ الضَّمَانُ إذَا قَطَعَهَا بِأَمْرِهِ بِخِلَافِ النَّفْسِ، فَإِنَّهُ لَوْ قَتَلَهُ بِأَمْرِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي رِوَايَةٍ وَالدِّيَةُ فِي أُخْرَى، فَإِذَا سَلَكَ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ يَجْرِي فِيهَا الْبَذْلُ كَالْأَمْوَالِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَطْعُهَا بِلَا فَائِدَةٍ وَهَذَا الْبَذْلُ مُفِيدٌ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ فَصَارَ كَقَطْعِ الْيَدِ لِلْأَكْلَةِ وَقَلْعِ السِّنِّ لِلْوَجَعِ وَإِذَا امْتَنَعَ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ وَالْيَمِينُ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ يُحْبَسُ فِيهِ كَمَا فِي الْقَسَامَةِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعِي لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ وَطَلَبَ الْيَمِينَ لَمْ يُسْتَحْلَفْ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُسْتَحْلَفُ وَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ وَمَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي أُخْرَى وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَتْ حَاضِرَةً فِي الْمِصْرِ، وَإِنْ كَانَتْ خَارِجَ الْمِصْرِ يَحْلِفُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَتْ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ لَا يَحْلِفُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْيَمِينَ حَقُّهُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَا وَلَهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ فِي الِاسْتِحْلَافِ وَهُوَ أَنْ يَدْفَعَ بِهِ مُؤْنَةَ الْمَسَافَةِ وَيَتَوَصَّلَ إلَى حَقِّهِ فِي الْحَالِ بِإِقْرَارِهِ أَوْ نُكُولِهِ وَفِي الْبَيِّنَةِ احْتِمَالٌ فَلَعَلَّهَا لَا تُقْبَلُ فَيُجِيبُهُ إذَا طَلَبَهُ كَمَا إذَا كَانَتْ خَارِجَ الْمِصْرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ ثُبُوتَ الْحَقِّ فِي الْيَمِينِ مُرَتَّبٌ عَلَى الْعَجْزِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى مَا رَوَيْنَا فَلَا يَكُونُ حَقُّهُ دُونَهُ كَمَا إذَا كَانَتْ الْبَيِّنَةُ حَاضِرَةً فِي الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ خَارِجَ الْمِصْرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الْجَمْعُ بَيْنَ خَصْمِهِ وَشُهُودِهِ فَيَكُونُ عَاجِزًا وَلِأَنَّ فِي اسْتِحْلَافِهِ مَعَ حُضُورِ الشُّهُودِ هَتْكَ الْمُسَلَّمِ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ مَا حَلَفَ فَيَجِبُ أَنْ يَتَوَقَّاهُ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقِيلَ لِخَصْمِهِ أَعْطِهِ كَفِيلًا بِنَفْسِك ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) كَيْ لَا يَضِيعَ حَقُّهُ بِتَغْيِيبِهِ نَفْسَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِلْمُدَّعِي وَلَيْسَ فِيهِ كَثِيرُ ضَرَرٍ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحُضُورَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ إذَا طَلَبَهُ لِمَا تَلَوْنَا حَتَّى يُعْدِيَ عَلَيْهِ وَيَشْخَصَ إلَى الْقَاضِي وَيُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَشْغَالِهِ فَيَصِحَّ التَّكْفِيلُ بِإِحْضَارِهِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى كَاسْتِحْلَافِهِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْكَفِيلُ ثِقَةً مَعْرُوفًا بَيْنَ النَّاسِ لَا يُتَوَهَّمُ اخْتِفَاؤُهُ حَتَّى يَحْصُلَ بِهِ فَائِدَةُ التَّكْفِيلِ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَلْزَمَ التَّكْفِيلُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ بَعْدُ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، وَالتَّقْدِيرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِمَا بَيْنَ مَجْلِسَيْ الْقَاضِي حَتَّى إذَا كَانَ يَجْلِسُ فِي كُلِّ يَوْمٍ يَكْفُلُ إلَى الْيَوْمِ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ يَجْلِسُ فِي كُلِّ عَشَرَةٍ أَيَّامٍ يَوْمًا يَكْفُلُ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَلَا فَرْقَ فِي الظَّاهِرِ بَيْنَ الْوَجِيهِ وَالْخَامِلِ وَبَيْنَ الْحَقِيرِ مِنْ الْمَالِ وَالْخَطِيرِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إنْ كَانَ مَعْرُوفًا وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يُخْفِي نَفْسَهُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الْمَالِ لَا يُجْبَرُ عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُدَّعَى حَقِيرًا لَا يُخْفِي الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ لِأَجْلِهِ لَا يُجْبَرُ عَلَى التَّكْفِيلِ لَكِنْ إذَا أَعْطَى هُوَ بِاخْتِيَارِهِ يُؤْخَذُ مِنْهُ وَهَذَا إذَا قَالَ لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ، وَإِنْ قَالَ لَيْسَ لِي بَيِّنَةٌ أَوْ شُهُودِي غُيَّبُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ كَفِيلٌ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي التَّكْفِيلِ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ كَالْهَالِكِ مِنْ وَجْهٍ وَلَيْسَ كُلُّ غَائِبٍ آتِيًا وَيُمْكِنُهُ الِاسْتِحْلَافُ فِي الْحَالِ فَلَا مَعْنَى لِلِاشْتِغَالِ بِالتَّكْفِيلِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَبَى لَازَمَهُ) أَيْ دَارَ مَعَهُ (حَيْثُ سَارَ) أَيْ إنْ أَبَى أَنْ يَكْفُلَ لَا يَجْبُرُهُ الْقَاضِي عَلَى التَّكْفِيلِ بَلْ يَأْمُرُهُ بِمُلَازَمَتِهِ مِقْدَارَ مُدَّةِ التَّكْفِيلِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ حَتَّى لَا يَغِيبَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ) كَانَ (غَرِيبًا لَازَمَهُ مِقْدَارَ مَجْلِسِ الْقَاضِي) أَيْ إلَى
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَلَا يَجِبُ عَلَى الْقَاطِعِ الضَّمَانُ إذَا قَطَعَهَا بِأَمْرِهِ) أَيْ إلَّا أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ يَعْنِي إذَا قَطَعَ يَدَ مَنْ قَالَ: اقْطَعْ يَدِي لَا يَجِبُ الضَّمَانُ وَلَكِنْ لَا يُبَاحُ الْقَطْعُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ كَمَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ أَخْرِقْ ثَوْبِي أَوْ أَتْلِفْ مَالِي لَا يُبَاحُ لَهُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَقِيلَ لِخَصْمِهِ أَعْطِهِ كَفِيلًا بِنَفْسِك ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) أَيْ إذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ وَهَذَا هُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدُ وَلَوْ كَانَ غَرِيبًا إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِيهِ) أَيْ فِي إعْطَاءِ الْكَفِيلِ نَظَرٌ لِلْمُدَّعِي وَهَذَا هُوَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ فِي الظَّاهِرِ) أَيْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ اهـ (قَوْلُهُ: وَالْخَطِيرُ) لِأَنَّ إعْطَاءَ الْكَفِيلِ لَمَّا كَانَ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ لَا يَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَ مَعْرُوفًا أَوْ لَمْ يَكُنْ أَوْ كَانَ الْمَالُ خَطِيرًا أَوْ حَقِيرًا كَالْيَمِينِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فَإِنْ أَبَى لَازَمَهُ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى فِي مَسَائِلِ الْعَدَوِيِّ الْمُدَّعِي إذَا طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَفِيلًا وَأَبَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إعْطَاءَ الْكَفِيلِ فَالْقَاضِي يَأْمُرُ الْمُدَّعِيَ بِمُلَازَمَتِهِ ثُمَّ قَالَ وَتَفْسِيرُ الْمُلَازَمَةِ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ كَانَ غَرِيبًا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ غَرِيبًا لَا يُجْبَرُ عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ وَلَكِنْ إنْ أَعْطَى كَفِيلًا بِنَفْسِهِ مُخْتَارًا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِ لَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْكَفِيلَ يَمْنَعُهُ مِنْ السَّفَرِ وَالذَّهَابِ (فَرْعٌ) ذَكَرَ فِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي فِي الْبَابِ الْمُعَلَّمِ بِعَلَامَةِ الْوَاوِ إذَا شَكَّ الرَّجُلُ فِيمَا يُدَّعَى عَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ يُرْضِيَ خَصْمَهُ بِشَيْءٍ وَيُصَالِحَهُ وَلَا يُعَجِّلَ بِالْيَمِينِ احْتِرَازًا عَنْ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ وَهُوَ الْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ، وَإِنْ أَبَى الْخَصْمُ إلَّا أَنْ يُحَلِّفَهُ، فَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْحَقِّ وَسِعَهُ ذَلِكَ وَنَذْكُرُ هُنَا نُبَذًا مِنْ مَسَائِلَ ذَكَرَهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute