أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الضَّرَرُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَلَا ضَرَرَ فِي هَذَا الْقَدْرِ ظَاهِرًا وَكَذَا إذَا أَخَذَ مِنْهُ كَفِيلٌ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ إلَّا مِقْدَارُ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَهُ أَنْ يَطْلُبَ التَّوْكِيلَ بِخُصُومَتِهِ حَتَّى لَوْ غَابَ الْأَصِيلُ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَكِيلِ فَيَقْضِي عَلَيْهِ، وَإِنْ أَعْطَاهُ وَكِيلًا فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِالْكَفِيلِ بِنَفْسِ الْوَكِيلِ، وَإِنْ أَعْطَاهُ كَفِيلًا بِنَفْسِ الْوَكِيلِ فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالْكَفِيلِ بِنَفْسِ الْأَصِيلِ إنْ كَانَ الْمُدَّعَى دَيْنًا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يُسْتَوْفَى مِنْ ذِمَّةِ الْأَصِيلِ دُونَ الْوَكِيلِ، وَلَوْ أَخَذَ كَفِيلًا بِالْمَالِ فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ كَفِيلًا بِنَفْسِ الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الِاسْتِيفَاءُ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ الْأَصِيلِ أَيْسَرَ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى مَنْقُولًا فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ مَعَ ذَلِكَ كَفِيلًا بِالْعَيْنِ لِيُحْضِرَهَا وَلَا يُغَيِّبَهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَقَارًا لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّغْيِيبَ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا بِطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ إلَّا إذَا أَلَحَّ الْخَصْمُ) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَمِعَ عُمَرَ وَهُوَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَفِي لَفْظٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلَا يَحْلِفْ إلَّا بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَحْلِفُ بِآبَائِهَا فَقَالَ لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَحْلِفُوا إلَّا بِاَللَّهِ وَلَا تَحْلِفُوا إلَّا وَأَنْتُمْ صَادِقُونَ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَهَذَا الْحَدِيثُ بِإِطْلَاقِهِ يَمْنَعُ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَسُوغُ لِلْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَهُ بِهِمَا إذَا أَلَحَّ الْخَصْمُ لِقِلَّةِ مُبَالَاةِ النَّاسِ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فِي زَمَانِنَا لَكِنْ إذَا نَكَلَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ؛ لِأَنَّهُ امْتَنَعَ عَمَّا هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا، وَلَوْ قَضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ لَا يَنْفُذُ، وَلَوْ طَلَبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تَحْلِيفَ الشَّاهِدِ أَوْ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الشَّاهِدَ كَاذِبٌ لَا يُجِيبُهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِإِكْرَامِ الشُّهُودِ وَالْمُدَّعِي لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ لَا سِيَّمَا إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَغْلُظُ بِذِكْرِ أَوْصَافِهِ) أَيْ تُؤَكَّدُ الْيَمِينُ بِذِكْرِ أَوْصَافِ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ الَّذِي يَعْلَمُ مِنْ السِّرِّ مَا يَعْلَمُ مِنْ الْعَلَانِيَةِ مَا لِفُلَانٍ هَذَا عَلَيْك وَلَا قِبَلَك هَذَا الْمَالُ الَّذِي ادَّعَاهُ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا وَلَا شَيْءَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ أَحْوَالَ النَّاسِ شَتَّى فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْتَنِعُ عَنْ الْيَمِينِ بِالتَّغْلِيظِ وَيَتَجَاسَرُ عِنْدَ عَدَمِهِ فَيُغَلَّظُ عَلَيْهِ لَعَلَّهُ يَمْتَنِعُ بِذَلِكَ وَلَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى هَذَا إنْ شَاءَ وَلَهُ أَنْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
الْخَصَّافُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْحِيَلِ إنْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ وَنَوَى كُلَّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا بِالْيَمَنِ أَوْ بِالْهِنْدِ أَوْ بِالسِّنْدِ أَوْ فِي بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ لَهُ نِيَّتُهُ فِي ذَلِكَ وَلَا يَحْنَثُ وَقَالَ: إنْ ابْتَدَأَ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ يَحْتَالُ وَيَقُولُ هُوَ اللَّهُ وَيُدْغِمُ ذَلِكَ حَتَّى لَا يَفْهَمَ الْمُسْتَحْلِفُ.
فَإِنْ قَالَ الْمُسْتَحْلِفُ إنَّمَا أُحَلِّفُك بِمَا أُرِيدُ وَقُلْ أَنْتَ نَعَمْ كُلَّمَا أَوْقَعْت أَنَا كَيْفَ يَحْتَالُ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ كَتَبَ الْيَمِينَ فِي كِتَابٍ وَيُرِيدُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ بِاَللَّهِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْمَشْيِ وَصَدَقَةِ مَا يَمْلِكُ قَالَ نَعَمْ وَيَنْوِي بِنَعَمْ مِنْ النَّعَمِ أَيْ مِنْ الْأَنْعَامِ، فَإِذَا أَجَابَهُ بِنَعَمْ يَنْوِي نَعَمًا مِنْ الْأَنْعَامِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ نِسَاؤُك طَوَالِقُ وَنَوَى نِسَاءَهُ الْعُورَ أَوْ الْعُمْيَانَ أَوْ الْعَرْجَانِ أَوْ الْمَمَالِيكَ أَوْ الْيَهُودِيَّاتِ أَوْ النَّصْرَانِيَّاتِ وَيَقْصِدُ إلَى صِفَةٍ مِنْ تِلْكَ الصِّفَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَكَذَلِكَ الْمَمَالِيكُ وَجَمِيعُ مَا يَمْلِكُ مِنْ نَوْعٍ مِنْ تِلْكَ الْأَنْوَاعِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا يَقْصِدُ بِنِيَّتِهِ إلَى مَا شَرَحْت لَك فَيَكُونُ لَهُ نِيَّتُهُ وَلَا يَحْنَثُ وَقَالَ: إنْ كَانَ يُسْتَحْلَفُ عَلَى فِعْلٍ مَضَى وَأَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ كَذَا وَكَذَا وَأَحْضَرَ الْمَمْلُوكَ قَالَ يَضَعُ رَأْسَهُ عَلَى رَأْسِ الْمَمْلُوكِ وَظَهْرِهِ وَيَقُولُ: هَذَا حُرٌّ يَعْنِي ظَهْرُهُ حُرٌّ إنْ كَانَ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا وَلَا يُعْتَقُ الْمَمْلُوكُ، وَإِنْ حَلَفَ بِعِتْقِ الْمَمْلُوكِ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ كَذَا يَعْنِي لَمْ أَفْعَلْ ذَلِكَ الشَّيْءَ بِمَكَّةَ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ فِي بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ وَيَنْوِي ذَلِكَ فَلَا يَحْنَثُ إنْ كَانَ مَرَّ فِعْلُ ذَلِكَ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي نَوَى وَقَصَدَ، وَإِنْ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ قَالَ يَقُولُ امْرَأَتِي طَالِقٌ ثَلَاثًا وَيَنْوِي عَمَلًا مِنْ الْأَعْمَالِ مِثْلَ الْخُبْزِ وَالْغَسْلِ أَوْ طَالِقٌ مِنْ وَثَاقٍ وَيَنْوِي بِقَوْلِهِ ثَلَاثًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ أَوْ ثَلَاثَ جُمَعٍ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ حِنْثٌ.
قَالَ قُلْت: أَرَأَيْت سُلْطَانًا بَلَغَهُ عَنْ رَجُلٍ كَلَامٌ فَأَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ عَلَى ذَلِكَ الْكَلَامِ الَّذِي بَلَغَهُ فَمَا الْوَجْهُ فِيهِ قَالَ الْوَجْهُ فِيهِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ الَّذِي اُسْتُحْلِفَ مَا الَّذِي بَلَغَك عَنِّي، فَإِذَا قَالَ بَلَغَنِي عَنْك أَنَّك قُلْت كَذَا وَكَذَا وَحَكَى الْكَلَامَ، فَإِنْ شَاءَ حَلَفَ لَهُ بِالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ أَنَّهُ مَا قَالَ هَذَا الْكَلَامَ الَّذِي حَكَاهُ هَذَا وَلَا سَمِعَ بِهِ إلَّا السَّاعَةَ يَعْنِي مَا تَكَلَّمَ بِهَذَا الْكَلَامِ الَّذِي حَكَاهُ وَلَا سَمِعَ بِهِ بِهَذَا الْكَلَامِ بِعَيْنِهِ قَبْلَ السَّاعَةِ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ إثْمٌ، وَإِنْ شَاءَ نَوَى فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ مَا شَرَحْنَاهُ، وَإِنْ شَاءَ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهَذَا الْكَلَامِ بِالْكُوفَةِ أَوْ بِالْبَصْرَةِ أَوْ فِي الْيَمَنِ أَوْ فِي بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ غَيْرَ الْبَلَدِ الَّذِي كَانَ تَكَلَّمَ بِهَذَا فِيهِ وَنَوَى بِاللَّيْلِ إنْ كَانَ تَكَلَّمَ بِالنَّهَارِ، وَإِنْ تَكَلَّمَ بِاللَّيْلِ نَوَى أَنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِالنَّهَارِ أَوْ نَوَى فِي دَارِ فُلَانٍ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ أَوْ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَالْبَاقِي يُعْلَمُ فِي كِتَابِ الْحِيَلِ اهـ أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَرْعٌ آخَرُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَأَيْت فِي مُحِيطِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ وَاسْتِحْلَافُ الْأَخْرَسِ أَنْ يَقُولَ الْقَاضِي عَلَيْك عَهْدُ اللَّهِ إنْ كَانَ لِهَذَا عَلَيْك هَذَا الْحَقُّ وَيُشِيرُ الْأَخْرَسُ بِرَأْسِهِ أَيْ نَعَمْ وَلَا يُسْتَحْلَفُ بِاَللَّهِ مَا لِهَذَا عَلَيْك حَقٌّ فَيُشِيرُ الْأَخْرَسُ بِرَأْسِهِ أَيْ نَعَمْ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ مِنْ الْأَخْرَسِ إذَا كَانَتْ مَعْرُوفَةً مِنْ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ بِمَنْزِلَةِ الْعِبَارَةِ مِنْ النُّطْقِ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ فَكَذَا فِي حَقِّ الْحَلِفِ وَالْقَاضِي لَوْ اسْتَحْلَفَ النَّاطِقَ بِاَللَّهِ مَا لِهَذَا عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ نَعَمْ لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ احْلِفْ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ يَمِينًا فَكَذَلِكَ الْأَخْرَسُ وَلَوْ قَالَ عَلَيْك عَهْدُ اللَّهِ فَقَالَ نَعَمْ يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ إنْ كَانَ لِهَذَا عَلَيَّ كَذَا. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَعَتَاقٌ) أَيْ وَحَجٌّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ لَا يَنْفُذُ) كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ. اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute