للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْقُوَّةِ لَا بِالْكَثْرَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَمَعْنَى الثَّانِي أَنْ يَكُونَ حَائِطٌ عَلَيْهِ هَرَادِيُّ لِرَجُلٍ وَلِآخَرَ عَلَيْهِ جُذُوعٌ أَوْ مُتَّصِلٌ بِبِنَائِهِ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْجُذُوعِ وَالِاتِّصَالِ دُونَ الْهَرَادِيِّ لِأَنَّ صَاحِبَ الْجُذُوعِ هُوَ الْمُسْتَعْمِلُ وَصَاحِبَ الْهَرَادِيِّ مُتَعَلِّقٌ وَالْبِنَاءُ يُبْنَى لِلْجُذُوعِ عَادَةً لَا لِوَضْعِ الْهَرَادِيِّ فَصَارَ نَظِيرَ دَابَّةٍ تَنَازَعَا فِيهَا وَلِأَحَدِهِمَا عَلَيْهَا حِمْلٌ وَلِلْآخَرِ كُوزٌ مُعَلَّقٌ أَوْ مِخْلَاةٌ مُعَلَّقَةٌ فَإِنَّهَا تَكُونُ لِصَاحِبِ الْحِمْلِ دُونَ صَاحِبِ الْكُوزِ

وَالْمُرَادُ بِالِاتِّصَالِ اتِّصَالُ تَرْبِيعٍ وَهُوَ أَنْ يَتَدَاخَلَ لَبِنُ الْبِنَاءِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ فِي لَبِنِ جِدَارِهِ وَلَبِنُ جِدَارِهِ فِي لَبِنِ الْبِنَاءِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَسَاجُ أَحَدِهِمَا مُرَكَّبٌ عَلَى سَاجِ الْآخَرِ لِأَنَّ الِاتِّصَالَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ لَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ الْبِنَاءِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ بَانِيَهُمَا وَاحِدٌ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَتَرَجَّحَ بِهِ وَكَانَ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ صِفَةُ هَذَا الِاتِّصَالِ أَنْ يَكُونَ الْحَائِطُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ مُتَّصِلًا بِحَائِطَيْنِ لِأَحَدِهِمَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ جَمِيعًا وَالْحَائِطَانِ مُتَّصِلَانِ بِحَائِطٍ لَهُ بِمُقَابَلَةِ الْحَائِطِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ حَتَّى يَصِيرَ مُرَبَّعًا شِبْهَ الْقُبَّةِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْكُلُّ فِي حُكْمِ شَيْءٍ وَاحِدٍ وَالْمُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ اتِّصَالَ جَانِبَيْ الْحَائِطِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ بِحَائِطَيْنِ لِأَحَدِهِمَا يَكْفِي وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّصَالُ الْحَائِطَيْنِ بِحَائِطٍ لَهُ بِمُقَابَلَةِ الْحَائِطِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لِأَنَّ الرُّجْحَانَ يَقَعُ بِكَوْنِ مِلْكِهِ مُحِيطًا بِالْحَائِطِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَذَلِكَ يَتِمُّ بِالِاتِّصَالِ بِجَانِبَيْ الْحَائِطِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَإِنْ كَانَ الْجِدَارُ مِنْ خَشَبٍ فَالتَّرْبِيعُ أَنْ يَكُونَ سَاجُ أَحَدِهِمَا مُرَكَّبًا فِي الْآخَرِ

وَأَمَّا إذَا نُقِّبَ وَأُدْخِلَ فَلَا يَكُونُ مُرَبَّعًا فَلَا عِبْرَةَ بِهِ وَلَا بِاتِّصَالِ الْمُلَازَقَةِ مِنْ غَيْرِ تَرْبِيعٍ لِعَدَمِ الْمُدَاخَلَةِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا بُنِيَا مَعًا وَلَا بِوَضْعِ الْهَرَادِيِّ وَلَا الْبَوَارِي لِأَنَّ الْحَائِطَ لَا يُبْنَى لِأَجْلِهِ عَادَةً فَلَا يَكُونُ تَصَرُّفًا فِيهِ فَلَا يُعْتَبَرُ أَصْلًا كَوَضْعِ الثَّوْبِ عَلَى الْجِدَارِ حَتَّى لَوْ تَنَازَعَا فِي حَائِطٍ وَلِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ هَرَادِيُّ وَلَا شَيْءَ لِلْآخَرِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا إذَا عُلِمَ أَنَّهُ فِي أَيْدِيهِمَا وَلَا يُرَجَّحُ صَاحِبُ الْهَرَادِيِّ لِعَدَمِ الِاسْتِعْمَالِ بِخِلَافِ اتِّصَالِ التَّرْبِيعِ لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ فِيهِ مَوْجُودٌ مِنْ وَجْهٍ وَلِأَنَّ الْبِنَاءَ لِلتَّسْقِيفِ وَهُوَ بِالْجُذُوعِ دُونَ الْهَرَادِيِّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُرَجَّحُ بِوَضْعِ الْجُذُوعِ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِلْكُهُ وَعَارِيَّةٌ وَغَصْبٌ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً مَعَ الِاحْتِمَالِ قُلْنَا صَاحِبُ الْجُذُوعِ مُسْتَعْمِلٌ لِلْحَائِطِ فَكَانَ فِي يَدِهِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْيَدِ فَصَارَ نَظِيرَ الْحِمْلِ عَلَى الدَّابَّةِ وَلِأَنَّ الْحَائِطَ يُبْنَى لِلْجُذُوعِ فَوَضْعُهُ عَلَامَةُ مِلْكِهِ وَمِثْلُ هَذَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عَلَامَةً كَمَا إذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ حَتَّى جُعِلَ التَّرْجِيحُ بِالصَّلَاحِيَّةِ وَلَوْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ جُذُوعٌ ثَلَاثَةٌ فَهُوَ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي أَصْلِ الْعِلَّةِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ بَعْدَ أَنْ يَبْلُغَ ثَلَاثًا لِأَنَّ التَّرْجِيحَ بِالْقُوَّةِ لَا بِالْكَثْرَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا

وَإِنَّمَا اشْتَرَطْنَا أَنْ يَبْلُغَ ثَلَاثًا لِأَنَّ الْحَائِطَ تُبْنَى لِلتَّسْقِيفِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِمَا دُونَ الثَّلَاثِ غَالِبًا فَصَارَ الثَّلَاثُ كَالنِّصَابِ لَهُ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ جُذُوعٌ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ الْهَرَادِيُّ) الْهَرَادِيُّ جَمْعُ الْهُرْدِيَّةِ قَصَبَاتٌ تُضَمُّ مَلْوِيَّةً بِطَاقَاتٍ مِنْ الْكَرْمِ فَتُرْسَلُ عَلَيْهَا قُضْبَانُ الْكَرْمِ كَذَا فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ لَكِنْ صَحَّحَ فِي الدِّيوَانِ الْهَاءَ وَالْحَاءَ جَمِيعًا وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ الْحُرْدِيُّ الْقَصَبُ نَبَطِيٌّ مُعَرَّبٌ وَلَا يُقَالُ الْهَرْدِيُّ وَرَأَيْت فِي نُسْخَةٍ عَتِيقَةٍ مِنْ نُسَخِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ الْحَرَادِيُّ بِالْحَاءِ وَقَالَ صَاحِبُ الْجَمْهَرَةِ فِي بَابِ الْحَاءِ وَالدَّالِ وَالرَّاءِ أَمَّا الَّذِي يُسَمِّيهِ الْبَصْرِيُّونَ الْحُرْدِيَّ مِنْ الْقَصَبِ فَهُوَ نَبَطِيٌّ مُعَرَّبٌ وَكَذَا قَالَ صَاحِبُ الدِّيوَانِ أَيْضًا الْحُرْدِيُّ وَاحِدُ حَرَادِيِّ الْقَصَبِ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ بِالْهَاءِ وَالْحَاءِ جَمِيعًا وَالرِّوَايَةُ فِي الْأَصْلِ وَالْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ بِالْحَاءِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَشَرْحِ الْكَافِي وَقَعَتْ بِالْهَاءِ لَا غَيْرُ قَالَ الْإِمَامُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَإِذَا كَانَ الْحَائِطُ بَيْنَ دَارَيْنِ فَادَّعَاهُ صَاحِبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الدَّارَيْنِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ جُذُوعٌ وَلَيْسَ لِلْآخَرِ عَلَيْهِ جُذُوعٌ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْجُذُوعِ لِأَنَّهُ فِي يَدِ صَاحِبِ الْجُذُوعِ يَعْنِي بِهَا الْيَدَ الْمُسْتَعْمَلَةَ وَالْيَدُ الْمُسْتَعْمَلَةُ لِصَاحِبِ الْجُذُوعِ لِأَنَّ الْحَائِطَ مَا بُنِيَ إلَّا لَهُ وَصَارَ كَاثْنَيْنِ تَنَازَعَا فِي دَابَّةٍ أَحَدُهُمَا رَاكِبُهَا وَالْآخَرُ آخِذٌ بِلِجَامِهَا يُقْضَى بِهَا لِلرَّاكِبِ لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ وَلِلْآخَرِ بِهَا نَوْعُ تَعَلُّقٍ كَذَا هُنَا فَإِنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ هَرَادِيُّ أَوْ بَوَارِيُّ لَمْ يَسْتَحِقَّ بِهَا شَيْئًا وَكَانَ الْحَائِطُ لِصَاحِبِ الْجُذُوعِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَعْمِلُ لِلْحَائِطِ اسْتِعْمَالَ مَيْلِهِ لِأَنَّهُ بُنِيَ لِوَضْعِ الْجُذُوعِ عَلَيْهِ وَالتَّسْقِيفُ دُونَ الْهَرَادِيِّ لَكِنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِرَفْعِ الْهَرَادِيِّ وَالْبَوَارِيِّ لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ لَهُ بِالْحَائِطِ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ وَالظَّاهِرُ يَصْلُحُ حُجَّةً لِلدَّفْعِ دُونَ إبْطَالِ الِاسْتِحْقَاقِ الثَّابِتِ لِلْغَيْرِ ظَاهِرًا

وَإِنْ كَانَ الْحَائِطُ مُتَّصِلًا بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا وَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ جُذُوعٌ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْجُذُوعِ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمِلٌ لِلْحَائِطِ فَكَانَ فِي يَدِهِ وَثُبُوتُ الْيَدِ عَلَى مَا جَاوَرَهُ وَقَرُبَ لَا يَكُونُ ثُبُوتًا عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ اتِّصَالًا بِتَرْبِيعٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ طَرَفَيْ الْآجُرِّ فِي هَذَا الْحَائِطِ وَالطَّرَفُ الْآخَرُ فِي الْحَائِطِ الْآخَرِ حَتَّى يَصِيرَ فِي مَعْنَى حَائِطٍ وَاحِدٍ وَبِنَاءٍ وَاحِدٍ فَيَكُونُ ثُبُوتُ الْيَدِ عَلَى الْبَعْضِ ثُبُوتًا عَلَى الْكُلِّ فَيَكُونُ الْحَائِطُ لِصَاحِبِ الِاتِّصَالِ وَلِصَاحِبِ الْجُذُوعِ مَوْضِعُ جِذْعِهِ وَكَذَا إنْ كَانَ الْحَائِطُ مُتَّخَذًا مِنْ الْخَشَبِ فَتَكُونُ الْخَشَبَةُ الَّتِي فِي هَذَا الْحَائِطِ مُرَكَّبَةً بِالْخَشَبَةِ الَّتِي فِي ذَلِكَ الْحَائِطِ وَلِأَنَّ اتِّصَالَ التَّرْبِيعِ أَدَلُّ عَلَى سَبْقِ الْيَدِ مِنْ وَضْعِ الْخَشَبِ عَلَى الْجِدَارِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُوضَعُ عَلَيْهِ بَعْدَ تَمَامِهِ وَصَيْرُورَتِهِ حَائِطًا فَمَتَى عَرَفْنَا سَبْقَ يَدِ أَحَدِهِمَا قَضَيْنَا لَهُ بِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ صَاحِبُ الْجُذُوعِ بِرَفْعِ جُذُوعِهِ لِأَنَّا قَضَيْنَا لِصَاحِبِ الِاتِّصَالِ وَالتَّرْبِيعِ بِالْجِدَارِ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ وَالظَّاهِرُ يَصْلُحُ حُجَّةً لِلدَّفْعِ دُونَ إبْطَالِ الثَّابِتِ فَيَكُونُ لِصَاحِبِ الْجُذُوعِ حَقُّ وَضْعِ الْجُذُوعِ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ بِكَوْنِهِ مُبْطِلًا فِي الْوَضْعِ لِأَنَّهُ قَدْ يَسْتَحِقُّ الْوَضْعَ مَعَ كَوْنِ الْحَائِطِ مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ هَذَا مِنْ ضَرُورَاتِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>