للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعْنَاهُ يَظُنُّ الْحَدَثَ مِنْهُ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ أَمَّا الِاسْتِقْبَالُ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ فَلِأَنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ يُصَلِّي مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِوُجُودِ الِانْصِرَافِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ انْصَرَفَ عَلَى قَصْدِ الْإِصْلَاحِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ مَا تَوَهَّمَهُ بَنَى عَلَى صَلَاتِهِ فَأَلْحَقَ قَصْدَ الْإِصْلَاحِ بِحَقِيقَتِهِ مَا لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَكَانُ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ كَمَا أَلْحَقْنَا التَّأْوِيلَ الْفَاسِدَ بِالصَّحِيحِ فِي حَقِّ الْبُغَاةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ ظَنَّ أَنَّهُ افْتَتَحَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ أَوْ كَانَ مَاسِحًا عَلَى الْخُفَّيْنِ وَظَنَّ أَنَّ مُدَّةَ مَسْحِهِ قَدْ انْقَضَتْ أَوْ كَانَ مُتَيَمِّمًا فَرَأَى سَرَابًا فَظَنَّهُ مَاءً أَوْ كَانَ فِي الظُّهْرِ فَظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الْفَجْرَ أَوْ رَأَى حُمْرَةً فِي ثَوْبِهِ فَظَنَّهَا نَجَاسَةً فَانْصَرَفَ حَيْثُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ الِانْصِرَافَ عَلَى سَبِيلِ الرَّفْضِ. وَلِهَذَا لَوْ تَحَقَّقَ مَا تَوَهَّمَهُ يَسْتَقْبِلُ وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ وَالدَّارُ وَالْجَبَّانَةُ وَالْجِنَازَةُ بِمَنْزِلَةِ الْمَسْجِدِ كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَالْمَرْأَةُ إذَا نَزَلَتْ مِنْ مُصَلَّاهَا فَسَدَتْ صَلَاتُهَا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَسْجِدِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَلِهَذَا تَعْتَكِفُ فِيهِ وَمَكَانُ الصُّفُوفِ فِي الصَّحْرَاء لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ وَلَوْ تَقَدَّمَ قُدَّامُهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ثَمَّ سُتْرَةٌ يُعْتَبَرُ قَدْرُ الصُّفُوفِ خَلْفَهُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ فَالْحَدُّ السُّتْرَةُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ قَدْرُ الصُّفُوفِ خَلْفَهُ كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ سُتْرَةٌ وَإِنْ اسْتَخْلَفَ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْحَدَّ الْمَذْكُورَ وَقِيلَ هَذَا قَوْلُهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تَفْسُدُ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي نَصْرٍ وَفِي مُتَفَرِّقَاتِ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ إنْ كَانَ الْخَلِيفَةُ لَمْ يَأْتِ بِالرُّكُوعِ جَازَتْ صَلَاتُهُمْ وَإِنْ أَتَى فَسَدَتْ كَأَنَّهُ يُرِيدُ بِالرُّكُوعِ الرُّكْنَ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ إنْ قَامَ الْخَلِيفَةُ مَقَامَ الْأَوَّلِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِرُكْنٍ وَإِنْ لَمْ يَقُمْ جَازَتْ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ نَفْسَهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ فَيَكُونُ مُفْسِدًا وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْحَدَثِ وَإِنَّمَا تُرِكَ لِلْعُذْرِ وَلَا عُذْرَ هُنَا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الِاسْتِخْلَافِ وَإِنْ كَانَ يُصَلِّي وَحْدَهُ فِي الصَّحْرَاءِ فَحَدُّهُ مَوْضِعُ سُجُودِهِ وَقِيلَ مِقْدَارُ مَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ. وَأَمَّا الِاسْتِقْبَالُ فِيمَا إذَا جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ احْتَلَمَ فَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ نَادِرَةٌ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ؛ وَلِأَنَّهُ يَبْقَى فِي مَكَانِهِ بَعْدَ وُجُودِ الْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ شَرْطَ الْبِنَاءِ أَنْ يَنْصَرِفَ مِنْ سَاعَتِهِ وَفِي الِاحْتِلَامِ يَحْتَاجُ إلَى عَمَلٍ كَثِيرٍ وَإِلَى كَشْفِ الْعَوْرَةِ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى الْحَدَثِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ سَبَقَهُ حَدَثٌ بَعْدَ التَّشَهُّدِ تَوَضَّأَ وَسَلَّمَ) لِأَنَّ التَّسْلِيمَ وَاجِبٌ فَيَتَوَضَّأُ لِيَأْتِيَ بِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ تَعَمَّدْهُ أَوْ تَكَلَّمْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ) أَيْ تَعَمَّدْ الْحَدَثَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ فَخَرَجَ بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ، وَكَذَا إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ، ثُمَّ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ لِمَا قُلْنَا، وَكَذَا لَوْ قَهْقَهَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَمَّتْ صَلَاتُهُ لَكِنْ يَبْطُلُ وُضُوءُهُ وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَبْطُلُ لِأَنَّ الْقَهْقَهَةَ لَمْ تُؤَثِّرْ فِي فَسَادِ الصَّلَاةِ فَأَوْلَى أَنْ لَا تُؤَثِّرَ فِي فَسَادِ الْوُضُوءِ وَهَذَا لِأَنَّ الْخَبَرَ وَرَدَ بِإِعَادَتِهِمَا فَإِذَا لَمْ يُعِدْ الصَّلَاةَ فَلَا يُعِيدُ الْوُضُوءَ قُلْنَا وُجُودُ الْقَهْقَهَةِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ كَوُجُودِهَا فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَصَارَ كُنْيَةَ الْإِقَامَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَإِنَّهَا تَنْقَلِبُ أَرْبَعًا بِالنِّيَّةِ وَإِنَّمَا لَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ لِعَدَمِ حَاجَتِهِ إلَى الْبِنَاءِ، وَكَذَا لَوْ قَهْقَهَ فِي سَجْدَتَيْ السَّهْوِ لِأَنَّ الْعَوْدَ إلَى السُّجُودِ يَرْفَعُ السَّلَامَ دُونَ الْقَعْدَةِ فَكَأَنَّهُ قَهْقَهَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ قَبْلَ السَّلَامِ وَلَوْ قَهْقَهَ الْإِمَامُ، ثُمَّ الْقَوْمُ بَطَلَ وُضُوءُهُ دُونَهُمْ لِخُرُوجِهِمْ مِنْ الصَّلَاةِ بِقَهْقَهَتِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ، ثُمَّ قَهْقَهُوا حَيْثُ يَبْطُلُ وُضُوءُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَخْرُجُونَ مِنْ الصَّلَاةِ بِسَلَامِهِ وَلِهَذَا يَجُوزُ لَهُمْ الْبِنَاءُ بَعْدَمَا سَلَّمَ الْإِمَامُ وَلَوْ قَهْقَهَ الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ مَعًا بَطَلَ وُضُوءُهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهَا صَادَفَتْ جُزْءًا مِنْ الصَّلَاةِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ مَعْنَاهُ يُظَنُّ الْحَدَثُ مِنْهُ) أَيْ بِأَنْ ظَنَّ الْمُخَاطَ رُعَافًا مَثَلًا. اهـ. (قَوْلُهُ فِي حَقِّ الْبُغَاةِ إلَى آخِرِهِ) حَتَّى لَا يَلْزَمُهُمْ بَعْدَ التَّوْبَةِ ضَمَانُ مَا أَتْلَفُوهُ مِنْ الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ كَالْأَهْلِ الْعَدْلِ وَإِنَّمَا افْتَرَقُوا فِي الْآثَامِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ أَنَّهُ إذَا انْصَرَفَ لَظَنَّ فَإِنْ كَانَ مُتَعَلِّقُهُ لَوْ كَانَ ثَابِتًا جَازَ الْبِنَاءُ فَظَهَرَ خِلَافُهُ جَازَ الْبِنَاءُ وَإِنْ كَانَ لَوْ كَأَنْ لَمْ يَجُزْ فَظَهَرَ خِلَافُهُ لَمْ يَجُزْ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ يُعْتَبَرُ قَدْرُ الصُّفُوفِ خَلْفَهُ إلَى آخِرِهِ) وَالْأَوْجَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ سُتْرَةً أَنْ يُعْتَبَرَ مَوْضِعُ سُجُودِهِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ مُنْفَرِدٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَحُكْمُ الْمُنْفَرِدِ ذَلِكَ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَقُمْ جَازَتْ) أَيْ وَلَوْ اسْتَخْلَفَ الْقَوْمُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ لَا صَلَاةُ الْإِمَامِ. اهـ. فَتْحٌ.

(قَوْلُهُ فَكَأَنَّهُ قَهْقَهَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ قَبْلَ السَّلَامِ إلَى آخِرِهِ) إلَّا فِي رِوَايَةٍ شَاذَّةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ الْعَوْدُ إلَى سُجُودِ السَّهْوِ يَرْفَعُ الْقَعْدَةَ كَالْعَوْدِ إلَى سُجُودِ التِّلَاوَةِ فَعَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَهْقَهَ الْإِمَامُ إلَى آخِرِهِ) اُنْظُرْ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ فِيمَا سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ كَمَا تَفْسُدُ بِقَهْقَهَةِ إمَامِهِ

(قَوْلُهُ وَبَطَلَتْ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذِهِ إلَى آخِرِهِ الْمَسَائِلُ الْمُلَقَّبَةُ بِاَلْاِثْنَا عَشْرِيَّةَ. اهـ. (قَوْلُهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِرُؤْيَتِهِ الْمَاءَ إلَى آخِرِهِ) لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ. اهـ. غَايَةٌ فَإِنْ قِيلَ يَشْكُلُ عَلَى هَذَا بِالْمُتَيَمِّمِ إذَا أَحْدَثَ فِي صَلَاتِهِ فَانْصَرَفَ، ثُمَّ وَجَدَ مَاءً لَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ فَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ هُنَاكَ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ وَالْمَسْأَلَةُ فِي مَسْحِ الْخُفِّ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ قُلْنَا: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا حَيْثُ يَلْزَمُهُ الِاسْتِئْنَافُ هُنَا وَلَا يَلْزَمُهُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ هُوَ أَنَّ التَّيَمُّمَ يُنْتَقَضُ بِصِفَةِ الِاسْتِنَادِ إلَى ابْتِدَاءِ وُجُودِهِ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ فَيَصِيرُ مُحْدِثًا بِالْحَدَثِ السَّابِقِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَمْ يُنْتَقَضْ التَّيَمُّمُ بِصِفَةِ الِاسْتِنَادِ لِانْتِقَاضِهِ بِالْحَدَثِ الطَّارِئِ عَلَى التَّيَمُّمِ فَلَمْ تُوجَدْ الْقُدْرَةُ عَلَى الْأَصْلِ حَالَ قِيَامِ الْخُلْفِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْخُلْفِ فَلَا يَلْزَمُ الِانْتِقَاضُ بِصِفَةِ الِاسْتِنَادِ، كَذَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ. اهـ. كَاكِيٌّ. قَوْلُهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَبْنِي مُخَالِفٌ لِمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِي قَوْلِهِ أَوْ تَمَّتْ مُدَّةُ مَسْحِهِ وَعَلَيْك بِمُرَاجَعَةِ هَذَا الْمَحَلِّ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>