للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْإِسْلَامِ وَرَزَقَك وَلَدًا مُسْلِمًا؛ لِأَنَّ الْخَيْرِيَّةَ بِهِ تَظْهَرُ، وَيَقُولُ فِي تَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك، وَأَحْسَنَ عَزَاءَك وَرَحِمَ مَيِّتَك، وَكَثَّرَ عَدَدَك قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَخِصَاءُ الْبَهَائِمِ) أَيْ جَازَ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ وَالْمَوْجُوءُ هُوَ الْخَصِيُّ؛ وَلِأَنَّ لَحْمَهُ يَطِيبُ بِهِ، وَيَتْرُكُ النِّطَاحَ فَكَانَ حَسَنًا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْزَاءُ الْحَمِيرِ عَلَى الْخَيْلِ)؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَكِبَ الْبَغْلَ وَاقْتَنَاهُ، وَلَوْ لَمْ يَجُزْ لَمَا فَعَلَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ فَتْحَ بَابِهِ، وَمَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ النَّهْيِ كَانَ لِأَجْلِ تَكْثِيرِ الْخَيْلِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَبُولُ هَدِيَّةِ الْعَبْدِ التَّاجِرِ، وَإِجَابَةُ دَعْوَتِهِ وَاسْتِعَارَةُ دَابَّتِهِ وَكُرِهَ كِسْوَتُهُ الثَّوْبَ، وَهَدِيَّتُهُ النَّقْدَيْنِ) يَعْنِي الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ الْكُلُّ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَالْعَبْدُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ لَكِنْ جُوِّزَ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ لِلضَّرُورَةِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْهُ كَالضِّيَافَةِ لِيَجْتَمِعَ إلَيْهِ الْمُجَاهِزُونَ، وَيَجْلِبَ قُلُوبَ الْمُعَامِلِينَ فَكَانَ مِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ، وَمَنْ مَلَكَ شَيْئًا مَلَكَ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ «سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ أَهْدَى إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَدِيَّةً قَبْلَ أَنْ يُعْتَقَ فَقَبِلَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -»، وَقَبِلَ هَدِيَّةَ بَرِيرَةَ فَقَالَ هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ، وَلَنَا هَدِيَّةٌ، وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُجِيبُ دَعْوَةَ الْمَمْلُوكِ، وَعَلَى هَذَا كَانَتْ الصَّحَابَةُ حَتَّى رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي أَسِيد أَنَّهُ قَالَ دَعَوْت رَهْطًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِمْ أَبُو ذَرٍّ فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَقَدَّمُونِي، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ عَبْدٌ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي الشَّيْءِ الْكَثِيرِ كَالدَّرَاهِمِ وَالثِّيَابِ فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَاسْتِخْدَامُ الْخَصِيِّ) أَيْ يُكْرَهُ اسْتِخْدَامُ الْخَصِيِّ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَحْرِيضَ النَّاسِ عَلَى الْخِصَاءِ، وَهُوَ مُثْلَةٌ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْهَا فَتَحْرُمُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالدُّعَاءُ بِمَعْقِدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِك) أَيْ يُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ فِي دُعَائِهِ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك بِمَعْقِدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِك وَلِلْمَسْأَلَةِ عِبَارَتَانِ بِمَعْقِدِ وَبِمَقْعَدِ فَالْأُولَى مِنْ الْعَقْدِ وَالثَّانِيَةُ مِنْ الْقُعُودِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا، وَلَا شَكَّ فِي كَرَاهِيَةِ الثَّانِيَةِ لِاسْتِحَالَةِ مَعْنَاهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَكَذَا الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ عِزَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْعَرْشِ وَالْعَرْشُ حَادِثٌ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ يَكُونُ حَادِثًا ضَرُورَةً وَاَللَّهُ مُتَعَالٍ عَنْ تَعَلُّقِ عِزِّهِ بِالْحَادِثِ بَلْ عِزُّهُ قَدِيمٌ؛ لِأَنَّهُ صِفَتُهُ وَجَمِيعُ صِفَاتِهِ قَدِيمَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ لَمْ يَزَلْ مَوْصُوفًا بِهَا فِي الْأَزَلِ، وَلَنْ يَزَالَ فِي الْأَبَدِ، وَلَمْ يَزْدَدْ شَيْئًا مِنْ الْكَمَالِ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْأَزَلِ بِحُدُوثِ الْعَرْشِ وَغَيْرِهِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ مِنْ دُعَائِهِ «اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك بِمَعْقِدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِك، وَمُنْتَهَى الرَّحْمَةِ مِنْ كِتَابِك وَبِاسْمِك الْأَعْظَمِ وَجَدِّك الْأَعْلَى، وَكَلِمَاتِك التَّامَّةِ» وَالْأَحْوَطُ الِامْتِنَاعُ لِكَوْنِهِ خَبَرَ وَاحِدٍ فِيمَا يُخَالِفُ الْقَطْعِيَّ إذْ الْمُتَشَابِهُ يَثْبُتُ بِالْقَطْعِيِّ، وَلَوْ جُعِلَ الْعِزُّ صِفَةً لِلْعَرْشِ كَانَ جَائِزًا؛ لِأَنَّ الْعَرْشَ مَوْصُوفٌ فِي الْقُرْآنِ بِالْمَجْدِ وَالْكَرَمِ فَكَذَا بِالْعِزِّ، وَلَا يَشُكُّ أَحَدٌ أَنَّهُ مَوْضِعُ الْهَيْبَةِ، وَإِظْهَارُ كَمَالِ الْقُدْرَةِ، وَإِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى مُسْتَغْنِيًا عَنْهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَبِحَقِّ فُلَانٍ) أَيْ يُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ فِي دُعَائِهِ بِحَقِّ فُلَانٍ، وَكَذَا بِحَقِّ أَنْبِيَائِك، وَأَوْلِيَائِك أَوْ بِحَقِّ رُسُلِك أَوْ بِحَقِّ الْبَيْتِ أَوْ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْخَلْقِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا يَخُصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ غَيْرِ وُجُوبٍ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِغَيْرِهِ بِحَقِّ اللَّهِ أَوْ بِاَللَّهِ أَنْ تَفْعَلَ كَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ شَرْعًا، وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَأْتِيَ بِهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَاللَّعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ وَالنَّرْدِ وَكُلِّ لَهْوٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ لَعِبِ ابْنِ آدَمَ حَرَامٌ إلَّا ثَلَاثَةً مُلَاعَبَةَ الرَّجُلِ أَهْلَهُ، وَتَأْدِيبَهُ لِفَرَسِهِ، وَمُنَاضَلَتَهُ بِقَوْسِهِ»

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ: وَأَحْسَنَ عَزَاءَك) قَالَ فِي الْمَصَابِيحِ، وَعَزَّيْته تَعْزِيَةً قُلْت لَهُ أَحْسَنَ اللَّهُ عَزَاءَك أَيْ رَزَقَك اللَّهُ الصَّبْرَ الْحَسَنَ وَالْعَزَاءُ مِثْلُ سَلَامٍ اسْمٌ مِنْ ذَلِكَ مِثْلَ سَلَّمَ سَلَامًا، وَكَلَّمَ كَلَامًا، وَتَعَزَّى هُوَ تَصَبَّرَ وَشِعَارُهُ أَنْ يَقُولَ إنَّا لِلَّهِ، وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمَوْجُوءُ هُوَ الْخَصِيُّ) فِيهِ نَظَرٌ تَقَدَّمَ فِي الْأُضْحِيَّةِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: كَانَ لِأَجْلِ تَكْثِيرِ الْخَيْلِ)، وَكَانَتْ الْخَيْلُ فِي بَنِي هَاشِمٍ قَلِيلَةً فَأَحَبَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَكْثُرَ فِيهِمْ. اهـ أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ، وَقَبُولُ هَدِيَّةِ الْعَبْدِ التَّاجِرِ إلَخْ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ مِنْ مُخْتَصَرِهِ لَوْ أَهْدَى الْمَأْذُونُ هَدِيَّةً أَوْ دَعَا رَجُلًا إلَى مَنْزِلِهِ فَغَدَّاهُ أَوْ أَعَارَ رَجُلًا دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا أَوْ ثَوْبًا لِيَلْبَسَهُ فَذَلِكَ جَائِزٌ لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الرَّجُلِ الْحُرِّ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إنْ عَطِبَتْ الدَّابَّةُ تَحْتَهُ أَوْ تَخَرَّقَ الثَّوْبُ مِنْ لُبْسِهِ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْبَلَ الرَّجُلُ ذَلِكَ مِنْ الْعَبْدِ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَلَيْسَ بِقِيَاسٍ. اهـ. وَبَلَغَنَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْعَبْدِ يَتَصَدَّقُ بِالشَّيْءِ قَالَ بِالرَّغِيفِ وَنَحْوِهِ، وَلَا بَأْسَ بِصَدَقَةِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ بِالطَّعَامِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَيْسَ لِلْعَبْدِ الْمَأْذُونِ أَنْ يَهَبَ دِرْهَمًا، وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهِ، وَلَا يَكْسُو ثَوْبًا، وَإِنَّمَا أَسْتَحْسِنُ مِنْ ذَلِكَ فِي الطَّعَامِ وَنَحْوِهِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي أَسِيد أَنَّهُ قَالَ) أَيْ قَالَ أَعْرَسْت، وَأَنَا عَبْدٌ فَدَعَوْت إلَخْ. اهـ غَايَةٌ.

(قَوْلُهُ: لِاسْتِحَالَةِ مَعْنَاهَا عَلَى اللَّهِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَ اللَّهَ تَعَالَى بِمَا هُوَ بَاطِلٌ، وَهُوَ الْقُعُودُ، وَهُوَ التَّمَكُّنُ عَلَى الْعَرْشِ، وَذَلِكَ قَوْلُ الْمُجَسِّمَةِ، وَهُوَ قَوْلٌ بَاطِلٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إلَخْ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا أَكْرَهُ هَذَا أَوْ أَكْرَهُ بِحَقِّ فُلَانٍ وَبِحَقِّ أَنْبِيَائِك وَرُسُلِك وَبِحَقِّ الْبَيْتِ وَالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، وَهَذَا النَّحْوِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ. اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ) وَبِهِ قَالَتْ الثَّلَاثَةُ. اهـ عَيْنِيٌّ

(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَاللَّعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ إلَخْ) أَمَّا النَّرْدُ فَحَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا الشِّطْرَنْجُ فَإِنْ قَامَرَ بِهِ فَهُوَ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الْقِمَارَ، وَإِنْ لَمْ يُقَامِرْ فَكَذَلِكَ عِنْدَنَا. اهـ أَتْقَانِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>