قَوْمٍ مِنْ الْعَرَبِ، ثُمَّ تَرَكَهُ» وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ «صَلَّيْت خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَلَمْ يَقْنُتُوا» وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْقُنُوتُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ بِدْعَةٌ وَرُوِيَ فِي الْخَبَرِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَنَتَ شَهْرًا أَوْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا يَدْعُو عَلَى قَوْمٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى مُعَاتِبًا لَهُ {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران: ١٢٨] فَتَرَكَ» وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ الثِّقَاتِ أَكْثَرُ مِنْ شَهْرٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَتْبَعُ الْمُؤْتَمُّ قَانِتَ الْوِتْرِ) أَيْ يَتْبَعُ الْمُقْتَدِي الْإِمَامَ الْقَانِتَ فِي الْوِتْرِ فِي قُنُوتِهِ وَيُخْفِي هُوَ وَالْقَوْمُ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ وَقِيلَ يَجْهَرُ الْإِمَامُ، ذَكَرَهُ فِي الْمُفِيدِ وَقِيلَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ يَقْنُتُ الْإِمَامُ دُونَ الْمُؤْتَمِّ كَمَا لَا يَقْرَأُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ اخْتِلَافَهُمْ فِي الْفَجْرِ مَعَ كَوْنِهِ مَنْسُوخًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُتَابِعُهُ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ لِكَوْنِهِ ثَابِتًا بِيَقِينِ فَصَارَ كَالثَّنَاءِ وَالتَّشَهُّدِ وَالدُّعَاءِ بَعْدَهُ وَتَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ رَفْعُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ صَوْتَهُمَا فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ أَحَبُّ إلَيَّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا الْفَجْرِ) أَيْ لَا يُتَابِعُ الْمُؤْتَمُّ الْإِمَامَ الْقَانِتَ فِي الْفَجْرِ فِي الْقُنُوتِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُتَابِعُهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْإِمَامِ وَالْقُنُوتُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَصَارَ كَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ، وَالْقُنُوتُ فِي الْوِتْرِ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَلَهُمَا أَنَّهُ مَنْسُوخٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَبَّرَ خَمْسًا فِي الْجِنَازَةِ حَيْثُ لَا يُتَابِعُهُ فِي الْخَامِسَةِ لِكَوْنِهِ مَنْسُوخًا، ثُمَّ قِيلَ يَسْكُتُ وَاقِفًا لِيُتَابِعَهُ فِيمَا يَجِبُ مُتَابَعَتُهُ، وَقِيلَ يَقْعُدُ تَحْقِيقًا لِلْمُخَالَفَةِ لِأَنَّ السَّاكِتَ شَرِيكُ الدَّاعِي بِدَلِيلِ مُشَارَكَتِهِ الْإِمَامَ فِي الْقِرَاءَةِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِوُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ فِي غَيْرِ الْقُنُوتِ وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ بِالشَّافِعِيَّةِ إذَا كَانَ يُحْتَاطُ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ بِأَنْ كَانَ يُجَدِّدُ الْوُضُوءَ مِنْ الْحِجَامَةِ وَالْفَصْدِ وَيَغْسِلُ ثَوْبَهُ مِنْ الْمَنِيِّ وَلَا يَكُونُ شَاكًّا فِي إيمَانِهِ بِالِاسْتِثْنَاءِ وَلَا مُنْحَرِفًا عَنْ الْقِبْلَةِ وَلَا يَقْطَعُ وِتْرَهُ بِالسَّلَامِ هُوَ الصَّحِيحُ وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ اقْتِدَاءَ الْحَنَفِيِّ بِمَنْ يُسَلِّمُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فِي الْوِتْرِ يَجُوزُ وَيُصَلِّي مَعَهُ بَقِيَّةَ الْوِتْرِ لِأَنَّ إمَامَهُ لَمْ يَخْرُجْ بِسَلَامِهِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ كَمَا لَوْ اقْتَدَى بِإِمَامٍ قَدْ رَعَفَ فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ إذَا صَحَّتْ عَلَى زَعْمِ الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ عَلَى زَعْمِ الْمُقْتَدِي وَقِيلَ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ قَامَ الْمُقْتَدِي وَأَتَمَّ الْوِتْرَ وَحْدَهُ وَقَالَ صَاحِبُ الْإِرْشَادِ لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِالشَّافِعِيَّةِ فِي الْوِتْرِ بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّهُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ اعْتِقَادَ الْوُجُوبِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الْحَنَفِيِّ وَلَوْ عَلِمَ الْمُقْتَدِي مِنْ الْإِمَامِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ عَلَى زَعْمِ الْإِمَامِ كَمَسِّ الْمَرْأَةِ وَالذَّكَرِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَالْإِمَامُ لَا يَدْرِي بِذَلِكَ تَجُوزُ صَلَاتُهُ عَلَى رَأْيِ الْأَكْثَرِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ مِنْهُمْ الْهِنْدُوَانِيُّ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَرَى بُطْلَانَ هَذِهِ الصَّلَاةِ فَتَبْطُلُ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي تَبَعًا لَهُ وَجْهُ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ الْمُقْتَدِيَ يَرَى جَوَازَ صَلَاةِ إمَامِهِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ رَأْيُ نَفْسِهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِجَوَازِهَا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالسُّنَّةُ قَبْلَ الْفَجْرِ وَبَعْدَ الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ رَكْعَتَانِ وَقَبْلَ الظُّهْرِ وَالْجُمُعَةِ وَبَعْدَهَا أَرْبَعٌ) لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهُ رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ ثِنْتَيْنِ وَبَعْدَ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ وَقَبْلَ الْفَجْرِ رَكْعَتَيْنِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ حَنْبَلٍ وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بَعْدَ الزَّوَالِ أَرْبَعَ رَكَعَاتِ فَقُلْت مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ الَّتِي تُدَاوِمُ عَلَيْهَا فَقَالَ هَذِهِ سَاعَةٌ تُفْتَحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ فِيهَا فَأُحِبُّ أَنْ يَصْعَدَ لِي فِيهَا عَمَلٌ صَالِحٌ فَقُلْت أَفِي كُلِّهِنَّ قِرَاءَةٌ قَالَ نَعَمْ فَقُلْت أَبِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ أَمْ بِتَسْلِيمَتَيْنِ فَقَالَ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ» رَوَاهُ الطَّحَاوِيِّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ كُلُّ شَيْءٍ ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقُنُوتِ إنَّمَا هُوَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَلَا يَقْنُتُ فِي الصَّلَوَاتِ إلَّا فِي الْوِتْرِ وَالْغَدَاةِ إذَا كَانَ يَسْتَنْصِرُ وَيَدْعُو لِلْمُسْلِمِينَ وَعَنْ عُمَرَ فِي الْقُنُوتِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ وَانْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّك وَعَدُوِّهِمْ اللَّهُمَّ الْعَنْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رَسُولَك وَيُقَاتِلُونَ أَوْلِيَاءَك اللَّهُمَّ خَالِفْ بَيْنَ كَلِمَتِهِمْ وَزَلْزِلْ أَقْدَامَهُمْ وَأَنْزِلْ عَلَيْهِمْ بَأْسَك الَّذِي لَا يُرَدُّ عَنْ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك. اهـ. سَرُوجِيٌّ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَجْهَرُ الْإِمَامُ) أَيْ دُونَ الْمُقْتَدِي اهـ وَاخْتَارَ مَشَايِخُنَا بِمَا وَرَاءَ النَّهْرِ الْإِخْفَاءَ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ جَمِيعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: ٥٥] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خَيْرُ الذِّكْرِ الْخَفِيُّ». اهـ. بَدَائِعُ. (قَوْلُهُ وَفِي نَوَادِرِ إلَى آخِرِهِ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ بِالشَّافِعِيَّةِ إذَا كَانَ يُحْتَاطُ إلَى آخِرِهِ) لَا كَمَا قِيلَ إنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ حَدَّ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ اهـ عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا مُنْحَرِفًا عَنْ الْقِبْلَةِ) أَيْ انْحِرَافًا فَاحِشًا وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا جَاوَزَ الْمَغَارِبَ كَانَ فَاحِشًا. اهـ. قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ بِالسَّلَامِ هُوَ الصَّحِيحُ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ اقْتَدَى بِإِمَامٍ قَدْ رَعَفَ إلَى آخِرِهِ) وَرَأَى الْإِمَامُ أَنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ بِهِ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ؛ لِأَنَّ طَهَارَةَ الْإِمَامِ صَحِيحَةٌ فِي حَقِّهِ وَهُوَ مُجْتَهَدٌ فِيهِ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ فِي فَصْلِ الرُّعَافِ وَالْحِجَامَةِ وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُ إلَّا إذَا رَآهُ احْتَجَمَ، ثُمَّ غَابَ عَنْهُ فَالْأَصَحُّ صِحَّةُ الِاقْتِدَاءِ لِجَوَازِ أَنَّهُ تَوَضَّأَ احْتِيَاطًا وَحُسْنِ الظَّنِّ بِهِ فَإِنْ شَهِدَ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ مَسَّ امْرَأَةً، ثُمَّ صَلَّى قَبْلَ الْوُضُوءِ قَالَ مَشَايِخُنَا صَحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَجَمَاعَةٌ لَا يَجُوزُ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي جِهَةِ التَّحَرِّي بِمَنْعِ الِاقْتِدَاءِ. اهـ. قُنْيَةٌ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ اعْتِقَادَ الْوُجُوبَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الْحَنَفِيِّ) عِبَارَةُ بَاكِيرٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ اهـ. (فَرْعٌ) إذَا كَانَ عَلَى الرَّجُلِ فَائِتَةٌ حَدِيثَةٌ فَافْتَتَحَ الصَّلَاةَ وَنَسِيَ الْفَائِتَةَ فَجَاءَ إنْسَانٌ وَاقْتَدَى بِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ عَلَيْهِ فَائِتَةً حَدِيثَةً فَصَلَاةُ الْإِمَامِ تَامَّةٌ وَصَلَاةُ الْمُقْتَدِي فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ أَنَّ إمَامَهُ عَلَى الْخَطَأِ. اهـ. وَلْوَالَجِيُّ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ آدَابِ الْقَضَاءِ. اهـ. .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute