للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهَا أَحْكَامُ الدُّنْيَا إلَّا إذَا كَانَ يُصْفَعُ وَيُسْخَرُ مِنْهُ أَوْ يَخْرُجُ سَكْرَانَ وَيَلْعَبُ بِهِ الصِّبْيَانُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَخَفٌّ بِهِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُعْلِنًا بِالْفِسْقِ فَغَيْرُ كُفْءٍ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَتِرًا فَهُوَ كُفْءٌ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَقَوْلُهُ: وَمَالًا أَيْ تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ فِي الْمَالِ أَيْضًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْحَسَبُ الْمَالُ»؛ وَلِأَنَّهُ يَقَعُ بِهِ التَّفَاخُرُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَالْمُرَادُ بِالْمَهْرِ الْمَهْرُ الْمُعَجَّلُ وَهُوَ مَا تَعَارَفُوا تَعْجِيلَهُ وَلَا يُعْتَبَرُ الْبَاقِي وَلَوْ كَانَ حَالًّا وَبِالنَّفَقَةِ أَنْ يَكْتَسِبَ كُلَّ يَوْمٍ قَدْرَ النَّفَقَةِ وَقَدْرَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْكِسْوَةِ وَلَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا لَهَا فِي الْغِنَى هُوَ الصَّحِيحُ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّ مَنْ مَلَكَهُمَا لَا يَكُونُ كُفْئًا لِلْفَائِقَةِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقِيلَ إنْ كَانَ ذَا جَاهٍ كَالسُّلْطَانِ وَالْعَالِمِ يَكُونُ كُفْئًا، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ إلَّا النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّ الْخَلَلَ يَنْجَبِرُ بِهِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا الْفَقِيهُ الْعَجَمِيُّ يَكُونُ كُفْئًا لِلْعَرَبِيِّ الْجَاهِلِ، وَقِيلَ إنَّ النَّفَقَةَ تُعْتَبَرُ نَفَقَةَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ

وَقِيلَ نَفَقَةُ شَهْرٍ وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا كَانَ يَجِدُ نَفَقَتَهَا وَلَا يَجِدُ نَفَقَةَ نَفْسِهِ يَكُونُ كُفْئًا، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ نَفَقَتَهَا لَا يَكُونُ كُفْئًا، وَإِنْ كَانَتْ فَقِيرَةً وَلَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ صَغِيرَةً لَا تُطِيقُ الْجِمَاعَ فَهُوَ كُفْءٌ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا نَفَقَةَ لَهَا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ الْقُدْرَةَ عَلَى الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ تَجْرِي الْمُسَاهَلَةُ فِيهِ وَيُعَدُّ قَادِرًا بِيَسَارِ أَبِيهِ؛ وَلِأَنَّ الْمَالَ لِإِثْبَاتٍ لَهُ وَهُوَ غَادٍ وَرَائِحٍ، قَوْلُهُ: وَحِرْفَةً أَيْ تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ فِي الْحِرَفِ وَهِيَ الصَّنَائِعُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَفْتَخِرُونَ بِشَرَفِ الْحِرَفِ وَيَتَعَيَّرُونَ بِدَنَاءَتِهَا، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا لَا تُعْتَبَرُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ وَيُمْكِنُهُ التَّحَوُّلُ إلَى أَنْفَسَ مِنْهَا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُهُ إلَّا أَنْ يَفْحُشَ كَالْحَائِكِ وَالْحَجَّامِ وَالدَّبَّاغِ

وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا لَا تُعْتَبَرُ فِي الْحِرَفِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَقِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَادَةٍ لَا اخْتِلَافُ حُجَّةٍ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ نَقَّصَتْ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُفَرِّقَ أَوْ يُتِمَّ مَهْرَهَا) أَيْ لَوْ تَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ وَنَقَّصَتْ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا فَلِلْوَلِيِّ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهَا حَتَّى يُتِمَّ لَهَا مَهْرَهَا أَوْ يُفَارِقَهَا، فَإِذَا فَارَقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ لَهَا، وَإِنْ فَارَقَهَا بَعْدَهُ فَلَهَا الْمُسَمَّى، وَكَذَا إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ التَّفْرِيقِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ حَقُّهَا لَا حَقُّ الْأَوْلِيَاءِ، وَمَنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ لَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَبْرَأَتْهُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَوْلِيَاءَ يَتَفَاخَرُونَ بِغَلَاءِ الْمَهْرِ وَيَتَعَيَّرُونَ بِنُقْصَانِهِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ عَدَمِ الْكَفَاءَةِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ عَدَمِ الْكَفَاءَةِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ تَقَادُمِ الْعَهْدِ يُعْتَبَرُ مَهْرُ قَبِيلَتِهَا بِمَهْرِهَا فَيَرْجِعُ الضَّرَرُ عَلَى الْقَبِيلَةِ كُلِّهَا فَكَانَ لَهُمْ دَفْعُهُ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ بَعْدَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِمْ بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الْكَرَمِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ

وَهَذَا الْوَضْعُ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ عَلَى اعْتِبَارِ قَوْلِهِ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ فِي النِّكَاحِ، وَقَدْ صَحَّ ذَلِكَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ شَاهِدَةٌ عَلَيْهِ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ فَقَالَ: الْمَسْأَلَةُ تُتَصَوَّرُ فِيمَا إذَا أُكْرِهَ الْوَلِيُّ عَلَى النِّكَاحِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، ثُمَّ زَالَ الْإِكْرَاهُ وَهِيَ رَاضِيَةٌ وَلَمْ يَرْضَ الْوَلِيُّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا الْوَلِيُّ بِالنِّكَاحِ وَلَمْ يُقَدَّرْ لَهَا الْمَهْرُ فَتَزَوَّجَتْ عَلَى أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا فَعَلَى هَذَا لَا تَشْهَدُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ، وَرُوِيَ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمَا قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَبْعَةِ أَيَّامٍ وَلَا يُقَالُ لَا فَائِدَةَ فِي هَذَا الْإِتْمَامِ؛ لِأَنَّهَا تُسْقِطُهُ لِأَنَّا نَقُولُ فَائِدَتُهُ إقَامَةُ حَقِّ الْوَلِيِّ كَمَا إذَا كَانَ الْمُسَمَّى أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ يُتِمُّ لَهَا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ إقَامَةً لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ زَوَّجَ طِفْلَهُ غَيْرَ كُفْءٍ أَوْ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ صَحَّ وَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ).

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ الْكَفَاءَةُ فِي الْمَالِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ)، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَبِالنَّفَقَةِ إلَخْ) وَفِي الْمُجْتَبَى الصَّحِيحُ أَنَّهُ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى النَّفَقَةِ عَلَى طَرِيقِ الْكَسْبِ كَانَ كُفْئًا وَمَعْنَاهُ مَنْقُولٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى إيفَاءِ مَا يُعَجِّلُ لَهَا بِالْيَدِ وَيَكْتَسِبُ مَا يُنْفِقُ لَهَا يَوْمًا بِيَوْمٍ كَانَ كُفْئًا لَهَا وَفِي غَرِيبِ الرِّوَايَةِ لِلسَّيِّدِ ابْنِ شُجَاعٍ جَعَلَ الْأَصَحَّ مِلْكَ نَفَقَةِ شَهْرٍ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ فِي النَّفَقَةِ تُعْتَبَرُ نَفَقَةُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) وَفِي جَامِعِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ سَنَةٌ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ فَقِيرَةً) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَقِبَ كَلَامِ الذَّخِيرَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَا نَفَقَةَ لَهَا) أَيْ فَيَكْتَفِي بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْمَهْرِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ غَادٍ وَرَائِحٌ) الْغَادِي الذَّاهِبُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى الزَّوَالِ وَالرَّائِحُ مِنْ الزَّوَالِ إلَى آخِرِ النَّهَارِ وَالْمُرَادُ بِهِمَا هُنَا مُطْلَقُ الذَّهَابِ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَوْ نَقَّصَتْ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا) أَيْ نَقْصًا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ أَمَّا إذَا كَانَ يَسِيرًا يَكُونُ عَفْوًا اهـ. مُسْتَصْفَى، وَقَوْلُهُ: مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ عَنْ اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يُتِمَّ لَهَا مَهْرَهَا أَوْ يُفَارِقَهَا) أَيْ فَالثَّابِتُ الْتِزَامُ حَدِّ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ فَرْعُ قِيَامِ مُكْنَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَعَنْ هَذَا مَا فِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ لَوْ لَمْ يَعْلَمُوا بِذَلِكَ حَتَّى مَاتَتْ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُطَالِبُوهُ بِتَكْمِيلِ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ لَيْسَ لَهُمْ إلَّا أَنْ يَفْسَخَ أَوْ يُكْمِلَ فَإِذَا امْتَنَعَ هُنَا عَنْ تَكْمِيلِ الْمَهْرِ لَا يُمْكِنُ الْفَسْخُ اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ فِي النِّكَاحِ) أَيْ بِغَيْرِ الْوَلِيِّ اهـ. هِدَايَةٌ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ) أَيْ تَزْوِيجُ الطِّفْلِ الصَّغِيرِ بِغَيْرِ كُفْءٍ وَبِغَبْنٍ فَاحِشٍ اهـ. عَيْنِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْعَيْنِيُّ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ، وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ اهـ.، وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَمَنْ زَوَّجَ بِنْتَه وَهِيَ صَغِيرَةٌ عَبْدًا أَوْ زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ أَمَةً فَهُوَ جَائِزٌ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فِي شَرْحِهِ، ثُمَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ خَوَاصِّ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَكَذَلِكَ إنْ زَوَّجَ بِنْتَه الصَّغِيرَةَ مِمَّنْ لَا يَمْلِكُ مَهْرَهَا أَوْ لَا يَقْدِرُ عَلَى نَفَقَتِهَا فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ فَهُوَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النَّظَرَ وَعَدَمَهُ فِي هَذَا الْعَقْدِ لَيْسَا مِنْ جِهَةِ كَثْرَةِ الْمَالِ وَقِلَّتِهِ بَلْ بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ بَاطِنٍ فَالضَّرَرُ كُلُّ الضَّرَرِ لِسُوءِ الْعِشْرَةِ وَإِدْخَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا الْمَكْرُوهَ عَلَى الْآخَرِ وَالنَّظَرُ كُلُّ النَّظَرِ فِي ضِدِّهِ فِي هَذَا الْعَقْدِ وَأَمْرُ الْمَالِ سَهْلٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ فِيهِ بَلْ الْمَقْصُودُ فِيهِ مَا قُلْنَا فَإِذَا كَانَ بَاطِنًا يُعْتَبَرُ دَلِيلُهُ فَيُعَلَّقُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ وَدَلِيلُ النَّظَرِ قَائِمٌ هُنَا وَهُوَ قُرْبَةُ الْقَرَابَةِ الدَّاعِيَةِ إلَى وُفُورِ الشَّفَقَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>