للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَا شَرَطَا حَتَّى كَانَ لَهَا أَنْ تَحْبِسَ نَفْسَهَا إلَى أَنْ تَسْتَوْفِيَ كُلَّهُ فِيمَا إذَا شَرَطَ تَعْجِيلَ كُلِّهِ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَحْبِسَ نَفْسَهَا فِيمَا إذَا كَانَ كُلُّهُ مُؤَجَّلًا؛ لِأَنَّ التَّصْرِيحَ أَقْوَى مِنْ الدَّلَالَةِ فَكَانَ أَوْلَى

وَشَدَّدَ أَبُو يُوسُفَ آخِرًا فِيمَا رَوَى عَنْهُ الْمُعَلَّى فَقَالَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا إذَا كَانَ كُلُّهُ مُؤَجَّلًا اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ فِي مُقَابَلَةِ تَسْلِيمِ الْمَهْرِ فَإِذَا طَلَبَ تَأْجِيلَ الْمَهْرِ فَقَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ الْفَتْوَى بِهَذَا الْقَوْلِ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِتَأْخِيرِ الدُّخُولِ عِنْدَ تَأْخِيرِ جَمِيعِ الْمَهْرِ، وَإِذَا أَوْفَاهَا مَهْرَهَا أَوْ كَانَ كُلُّهُ مُؤَجَّلًا يَنْقُلُهَا حَيْثُ شَاءَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق: ٦]، وَكَذَلِكَ إذَا دَخَلَ بِهَا بِرِضَاهَا عِنْدَهُمَا لِسُقُوطِ حَقِّ الْحَبْسِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِبَقَائِهِ وَكَانَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ يُفْتِي بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمَنْعِ مِنْ السَّفَرِ وَبِقَوْلِهِمَا فِي عَدَمِ الْمَنْعِ مِنْ الْوَطْءِ، وَقِيلَ لَا يُخْرِجُهَا إلَى بَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِهَا إلَّا بِرِضَاهَا؛ لِأَنَّ الْغُرْبَةَ تُؤْذِي إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا فِيهَا عَشِيرَةٌ وَاخْتَارَهُ أَبُو اللَّيْثِ، وَقَالَ صَاحِبُ مُلْتَقَى الْبِحَارِ: وَأُفْتِي أَنَا بِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ نَقْلِهَا إذَا أَوْفَاهَا الْمُعَجَّلَ وَالْمُؤَجَّلَ وَكَانَ مَأْمُونًا وَلَا يُمَكَّنُ مِنْهُ إذَا أَوْفَاهَا الْمُعَجَّلَ دُونَ الْمُؤَجَّلِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَرْضَى بِالتَّأْجِيلِ إذَا أَخْرَجَهَا إلَى بِلَادِ الْغُرْبَةِ لِعِلْمِهَا أَنَّ الْغُرْبَةَ تُؤْذِي.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْمَهْرِ حُكِّمَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَالْمُتْعَةِ لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ) وَمَعْنَاهُ أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ يُجْعَلُ حَكَمًا بَيْنَهُمَا فَمَنْ شَهِدَ لَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فَإِنْ كَانَ يَشْهَدُ لَهُ بِأَنْ كَانَ مِثْلَ مَا يَدَّعِيهِ أَوْ أَقَلَّ يَحْلِفُ فَإِنْ حَلَفَ لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ تَسْمِيَةً، وَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ مَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى أَنَّهُ مُسَمًّى لِإِقْرَارِهِ أَوْ بَذْلِهِ بِالنُّكُولِ، وَإِنْ كَانَ يَشْهَدُ لَهَا بِأَنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا مِثْلَ مَا تَدَّعِيهِ أَوْ أَكْثَرَ تَحْلِفُ فَإِنْ نَكَلَتْ فَلَهَا مَا أَقَرَّ بِهِ الزَّوْجُ تَسْمِيَةً لِإِقْرَارِهَا بِهِ، وَإِنْ حَلَفَتْ فَلَهَا جَمِيعُ مَا ادَّعَتْ بِقَدْرِ مَا أَقَرَّ بِهِ الزَّوْجُ عَلَى أَنَّهُ مُسَمًّى لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ وَالزَّائِدُ بِحُكْمِ أَنَّهُ مَهْرُ الْمِثْلِ لَا بِالْيَمِينِ، ثُمَّ يَتَخَيَّرُ فِيهِ الزَّوْجُ بَيْنَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ؛ لِأَنَّ يَمِينَهَا لِدَفْعِ الْحَطِّ الَّذِي يَدَّعِيهِ الزَّوْجُ، ثُمَّ الْوُجُوبُ بِحُكْمِ أَنَّهُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ يُقْبَلُ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ نَوَّرَ دَعْوَاهُ بِهَا وَيَجِبُ مَا يَدَّعِيهِ تَسْمِيَةً لِثُبُوتِهِ بِالْبَيِّنَةِ، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَةُ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ الظَّاهِرُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْحَطَّ أَوْ الزِّيَادَةَ وَيَجِبُ عَلَى أَنَّهُ مُسَمًّى؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ كَاسْمِهَا مُبَيِّنَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ مَهْرُ الْمِثْلِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَنْ كَانَ أَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَاهُ الزَّوْجُ وَأَقَلَّ مِمَّا ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ تَحَالَفَا فَأَيُّهُمَا نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ أَوْ بَذْلٌ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَحْبِسَ نَفْسَهَا فِيمَا إذَا كَانَ كُلُّهُ مُؤَجَّلًا) أَيْ لِإِسْقَاطِهَا حَقَّهَا بِالتَّأْجِيلِ كَمَا فِي الْبَيْعِ اهـ. هِدَايَةٌ قَالَ الْأَكْمَلُ، وَقَوْلُهُ: لِإِسْقَاطِهَا حَقَّهَا بِالتَّأْجِيلِ يُشِيرُ إلَى أَنَّهَا لَيْسَ لَهَا الْمَنْعُ لَا قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَلَا بَعْدَهُ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَمَّا قَبْلَ الْحُلُولِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا بَعْدَهُ؛ فَلِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ مَا أَوْجَبَ حَقَّ الْحَبْسِ فَلَا يَثْبُتُ بَعْدَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ الْمُدَّةُ قَصِيرَةً أَوْ طَوِيلَةً اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ) هُوَ الْوَلْوَالِجِيُّ (قَوْلُهُ: يَنْقُلُهَا حَيْثُ شَاءَ) أَيْ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق: ٦] قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَمِنْ فِي الْآيَةِ لِلتَّبْعِيضِ أَيْ أَسْكِنُوهُنَّ بَعْضَ مَكَانِ سُكْنَاكُمْ كَذَا فِي الْكَشَّافِ {مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: ٦] أَيْ بِقَدْرِ سَعَتِكُمْ وَالْوُجْدُ الْمَقْدِرَةُ وَالْغِنَى {وَلا تُضَارُّوهُنَّ} [الطلاق: ٦] أَيْ لَا تَسْتَعْمِلُوا مَعَهُنَّ الضِّرَارَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَاخْتَارَهُ أَبُو اللَّيْثِ) قَالَ الْأُسْتَاذُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْأَخْذُ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْلَى مِنْ الْأَخْذِ بِقَوْلِهِ أَيْ أَبِي اللَّيْثِ اهـ. خُلَاصَةٌ وَرُدَّ بِأَنَّ الْفَقِيهَ هُوَ الَّذِي أَخَذَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق: ٦] مَخْصُوصٌ بِدَلِيلٍ مُسْتَقِلٍّ مُقَارِنٍ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُضَارُّوهُنَّ} [الطلاق: ٦] وَفِي قُرَى الْمِصْرِ الْقَرِيبَةِ لَا تَتَحَقَّقُ الْغُرْبَةُ (سُئِلَ) أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ عَمَّنْ يُخْرِجُهَا مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى قَرْيَةٍ وَمِنْ الْقَرْيَةِ إلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ ذَلِكَ تَبْوِئَةٌ وَلَيْسَ بِسَفَرٍ وَإِخْرَاجُهَا مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ سَفَرٌ، وَلَيْسَ بِتَبْوِئَةٍ اهـ. اك قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ السَّفَرِ وَالْخُرُوجِ مِنْ مَنْزِلِهِ وَزِيَارَةِ أَهْلِهَا حَتَّى يُوفِيَهَا الْمَهْرَ كُلَّهُ أَيْ الْمُعَجَّلَ قَالَ الْكَمَالُ، وَقَوْلُهُ: أَيْ الْمُعَجَّلَ يَتَنَاوَلُ الْمُعَجَّلَ عُرْفًا وَشَرْطًا فَإِذَا كَانَ قَدْ شَرَطَ تَعْجِيلَ كُلِّهِ فَلَهَا الِامْتِنَاعُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَهُ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ فَبَعْضُهُ وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ تَعْجِيلُ شَيْءٍ بَلْ سَكَتُوا عَنْ تَعْجِيلِهِ وَتَأْجِيلِهِ فَإِنْ كَانَ عُرْفٌ فِي تَعْجِيلِ بَعْضِهِ وَتَأْخِيرِ بَاقِيهِ إلَى الْمَوْتِ أَوْ الْمَيْسَرَةِ أَوْ الطَّلَاقِ، فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَحْبِسَ إلَّا إلَى تَسْلِيمِ ذَلِكَ الْقَدْرِ قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنُوا قَدْرَ الْمُعَجَّلِ يُنْظَرُ إلَى الْمَرْأَةِ وَإِلَى الْمَهْرِ أَنَّهُ كَمْ يَكُونُ الْمُعَجَّلُ لِمِثْلِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ مِنْ مِثْلِ هَذَا الْمَهْرِ فَيَتَعَجَّلُ ذَلِكَ وَلَا يَتَقَدَّرُ بِالرُّبْعِ وَلَا بِالْخُمْسِ بَلْ يُعْتَبَرُ الْمُتَعَارَفُ فَإِنَّ الثَّابِتَ عُرْفًا كَالثَّابِتِ شَرْطًا بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَا تَعْجِيلَ الْكُلِّ إذْ لَا عِبْرَةَ بِالْعُرْفِ إذَا جَاءَ الصَّرِيحُ بِخِلَافِهِ وَمَثَلُهُ هَذَا فِي غَيْرِ نُسْخَةٍ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ فَمَا وَقَعَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ إطْلَاقِ قَوْلِهِ فَإِنْ كَانَ يَعْنِي الْمَهْرَ بِشَرْطِ التَّعْجِيلِ أَوْ مَسْكُوتًا عَنْهُ يَجِبُ حَالًّا وَلَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا حَتَّى يُعْطِيَهَا لَيْسَ بِوَاقِعٍ بَلْ الْمُعْتَبَرُ فِي الْمَسْكُوتِ الْعُرْفُ هَذَا وَلِلْأَبِ أَنْ يُسَافِرَ بِالْبِكْرِ قَبْلَ إيفَائِهِ (فِي الْفَتَاوَى) رَجُلٌ زَوَّجَ بِنْتَه الْبِكْرَ الْبَالِغَةَ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتَحَوَّلَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ بِعِيَالِهِ فَلَهُ أَنْ يَحْمِلَهَا مَعَهُ وَإِنْ كَرِهَ الزَّوْجُ فَإِنْ أَعْطَاهَا الْمَهْرَ كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهَا اهـ.

(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْمَهْرِ حُكِّمَ) أَيْ حُكِّمَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ أَوْ بَعْدَ الْفُرْقَةِ بَعْدَ الدُّخُولِ أَيْ وَالْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَمَعْنَاهُ أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ يُجْعَلُ حَكَمًا) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ كَمَا سَيَأْتِي اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ حَلَفَ لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ تَسْمِيَةً) أَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُ يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ دَفْعُ الدَّرَاهِمِ وَلَا يَتَخَيَّرُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ دَفْعِ الدَّنَانِيرِ كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي مَهْرِ الْمِثْلِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْوُجُوبُ) أَيْ وُجُوبُ الزَّائِدِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ تَحَالَفَا) الزَّوْجُ لِنَفْيِ الزِّيَادَةِ وَالْمَرْأَةُ لِنَفْيِ الْحَطِّ وَلِلْقَاضِي أَنْ يَبْدَأَ فِي الْحَلِفِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَالْمُسْتَحَبُّ الْقُرْعَةُ اهـ. سَرُوجِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

<<  <  ج: ص:  >  >>