للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ عَنَيْتُ بِهِ النَّهَارَ صُدِّقَ قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ فَيُصَدَّقُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ النَّهَارُ لِلْبَيَاضِ خَاصَّةً وَهُوَ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى غُرُوبِهَا وَاللَّيْلُ لِلسَّوَادِ خَاصَّةً وَهُوَ ضِدُّ النَّهَارِ وَالْيَوْمُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِهَا قَالَهُ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ وَعَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ وَقِيلَ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَفِي الْمُجْمَلِ لِابْنِ فَارِسٍ النَّهَارُ ضِيَاءٌ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ وَقِيلَ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ لَيْسَ مِنْ الْيَوْمِ وَلَا مِنْ النَّهَارِ وَلَا مِنْ اللَّيْلِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَنَا مِنْكِ طَالِقٌ لَغْوٌ وَإِنْ نَوَى وَتَبِينُ فِي الْبَائِنِ وَالْحَرَامِ) يَعْنِي إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنَا مِنْك طَالِقٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ وَتَبِينُ مِنْهُ بِقَوْلِهِ أَنَا مِنْكِ بَائِنٌ أَوْ عَلَيْكِ حَرَامٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَيْضًا إذَا نَوَى وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا مَلَّكَهَا الطَّلَاقَ فَطَلَّقَتْهُ هُوَ يَقُولُ إنَّ الْمِلْكَ وَقَعَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا حَتَّى مَلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْمُطَالَبَةَ بِحُقُوقِ النِّكَاحِ، وَكَذَا حُكْمُ النِّكَاحِ وَهُوَ الْحِلُّ وَقَعَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا حَتَّى يَسْتَمْتِعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ وَيُسَمَّيَا مُتَنَاكِحَيْنِ وَيَنْتَهِي بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَيَرِثُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْآخَرَ وَالزَّوْجُ مُقَيَّدٌ مِنْ جِهَتِهَا حَتَّى لَا يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا وَلَا أَرْبَعًا سِوَاهَا وَالطَّلَاقُ وُضِعَ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ وَالْحِلِّ فَيَصِحُّ مُضَافًا إلَيْهِ كَمَا يَصِحُّ مُضَافًا إلَيْهَا كَمَا فِي الْإِبَانَةِ وَالتَّحْرِيمِ غَيْرَ أَنَّ إضَافَةَ الطَّلَاقِ إلَيْهِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ وَلَنَا أَنَّ الطَّلَاقَ شُرِعَ مُضَافًا إلَى الْمَرْأَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ} [الطلاق: ١] وَبِقَوْلِهِ {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: ١] وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ وَهُوَ إذَا طَلَّقَ نَفْسَهُ فَقَدْ غَيَّرَ الْمَشْرُوعَ فَيَلْغُو كَالْعِتْقِ الْمُضَافِ إلَى الْمَوْلَى، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي امْرَأَةٍ جَعَلَ زَوْجُهَا أَمْرَهَا بِيَدِهَا فِي الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ فَقَالَتْ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا خَطَّأَ اللَّهُ نَوْأَهَا لَوْ قَالَتْ أَنَا طَالِقٌ ثَلَاثًا لَكَانَ كَمَا قَالَتْ تَحْقِيقُهُ أَنَّ الطَّلَاقَ لِإِزَالَةِ الْقَيْدِ وَهُوَ فِيهَا دُونَهُ أَوْ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ وَهُوَ عَلَيْهَا دُونَهُ كَالْعِتْقِ لِإِزَالَةِ الرِّقِّ ثُمَّ الْمَوْلَى إذَا أَعْتَقَ نَفْسَهُ أَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدُ مَوْلَاهُ لَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ فَكَذَا الزَّوْجُ إذَا طَلَّقَ نَفْسَهُ أَوْ طَلَّقَتْهُ هِيَ لَا تَطْلُقُ الْمَرْأَةُ لِعَدَمِ إضَافَتِهِ إلَى الْمَحَلِّ

وَلِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يُطَلِّقَ الْإِنْسَانُ وَيَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى غَيْرِ الْمُطَلَّقِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمِلْكَ مُشْتَرَكٌ بَلْ الْمِلْكُ لِلزَّوْجِ خَاصَّةً حَتَّى ظَهَرَ عَلَيْهَا أَثَرُهُ مِنْ الْمَنْعِ مِنْ التَّزَوُّجِ وَالْخُرُوجِ وَجَازَ لَهُ تَزَوُّجُ الْكِتَابِيَّةِ دُونَهَا وَصَارَ الْمَهْرُ لَهَا بَدَلَ مَا مَلَكَ عَلَيْهَا وَمَا ثَبَتَ لَهَا مِنْ الْحِلِّ تَبَعٌ لِثُبُوتِ الْحِلِّ لِلزَّوْجِ فَيَزُولُ بِزَوَالِهِ وَمَا يَكُونُ تَبَعًا فِي النِّكَاحِ لَا يَكُونُ مَحَلًّا لِإِضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَيْهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَمَا ثَبَتَ لَهَا عَلَيْهِ مِنْ الْحَقِّ كَالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ فَالطَّلَاقُ غَيْرُ مَوْضُوعٍ لِإِزَالَتِهِ وَرَفْعِهِ وَتَسْمِيَتُهُمَا مُتَنَاكِحَيْنِ مِنْ بَابِ التَّغْلِيبِ لَا سِيَّمَا عِنْدَهُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ مِنْهَا.

وَأَمَّا حُرْمَةُ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا فَثَابِتٌ بِالنَّصِّ لَا لِدُخُولِهِ فِي مِلْكِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ حُرْمَةَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ أَوْ بَيْنَ الْخَمْسِ ثَابِتٌ قَبْلَ التَّزَوُّجِ بِهَا بِخِلَافِ الْإِبَانَةِ وَالتَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّهُمَا لِإِزَالَةِ الْوَصْلَةِ وَالْحِلِّ وَهُمَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَتَصِحُّ إضَافَتُهُمَا إلَيْهِمَا وَالطَّلَاقُ لِرَفْعِ الْقَيْدِ فَلَا يُضَافُ إلَّا إلَى الْمُقَيَّدِ. وَقَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ قُلْنَا إنَّهُ صَرِيحٌ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى النِّيَّةِ إجْمَاعًا وَكَوْنُهُ غَيْرَ مُتَعَارَفٍ إيقَاعُهُ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَرِيحًا كَقَوْلِهِ عُشْرُكِ طَالِقٌ أَوْ فَرْجُكِ طَالِقٌ أَوْ طَلَّقْتُكِ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ وَنَحْوِهِ، وَلَوْ قَالَ أَنَا بَائِنٌ وَلَمْ يَقُلْ مِنْك أَوْ حَرَامٌ وَلَمْ يَقُلْ عَلَيْك لَمْ تَطْلُقْ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَنْتِ بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ حَيْثُ تَطْلُقُ إذَا نَوَى وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيْنُونَةَ أَوْ الْحَرَامَ إذَا كَانَ مُضَافًا إلَيْهَا تَعَيَّنَ لِإِزَالَةِ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْوَصْلَةِ وَالْحِلِّ وَإِذَا أَضَافَهُ إلَيْهِ لَا يَتَعَيَّنُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ امْرَأَةٌ أُخْرَى فَيُرِيدُ بِقَوْلِهِ أَنَا بَائِنٌ مِنْهَا أَوْ حَرَامٌ عَلَيْهَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوَّلًا أَوْ مَعَ مَوْتِي أَوْ مَعَ مَوْتِك لَغْوٌ) أَيْ إذَا قَالَ لَهَا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَنَا مِنْك طَالِقٌ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذِهِ مَسْأَلَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ أَنَا مِنْك طَالِقٌ يَنْوِي الطَّلَاقَ قَالَ لَا يَكُونُ طَلَاقًا، وَلَوْ قَالَ أَنَا مِنْك بَائِنٌ فَنَوَى الطَّلَاقَ كَانَتْ طَالِقًا قَالَ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَنَا عَلَيْك حَرَامٌ يَنْوِي الطَّلَاقَ كَانَتْ طَالِقًا، وَهَذَا مَذْهَبُنَا اهـ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ فِي قَوْلِهِ أَنَا مِنْك بَائِنٌ وَعَلَيْك حَرَامٌ وَاسْتُفِيدَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَتَبِينُ فِي الْبَائِنِ وَالْحَرَامِ أَنَّ الْوَاقِعَ بِهِمَا بَائِنٌ لَا رَجْعِيٌّ وَلَزِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِمَا مِنْ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ النِّيَّةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ إلَخْ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ اهـ ع. (قَوْلُهُ خَطَّأَ اللَّهُ نَوْأَهَا) يُقَالُ لِمَنْ طَلَبَ حَاجَةً فَلَمْ يَنْجَحْ أَخْطَأَ نَوْأَك أَرَادَ جَعَلَ اللَّهُ نَوْأَهَا مُخْطِئًا لِمَا لَا يُصِيبُهَا مَطَرُهُ وَيُرْوَى خَطَّى اللَّهُ نَوْأَهَا بِلَا هَمْزٍ مِنْ خَطَّى اللَّهُ عَنْك النَّوْءَ أَيْ جَعَلَهُ يَتَخَطَّاك يُرِيدُ يَتَعَدَّاهَا فَلَا يُمْطِرُهَا وَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْمُعْتَلِّ اللَّامِ كَذَا فِي نِهَايَةِ ابْنِ الْأَثِيرِ وَصَاحِبُ الطِّلْبَةِ صَحَّحَ الثَّانِيَ وَخَطَّأَ الْأَوَّلَ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَقُلْ عَلَيْك لَمْ تَطْلُقْ) أَيْ وَإِنْ نَوَى اهـ قَالَ فِي الْوَجِيزِ، وَلَوْ قَالَ أَنَا بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ وَلَمْ يَقُلْ مِنْكِ أَوْ عَلَيْكِ لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَإِنْ نَوَى ذِكْرَهُ فِي الْكِنَايَاتِ وَفِي غَايَةِ السُّرُوجِيِّ، وَلَوْ قَالَ أَنَا بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ وَلَمْ يَقُلْ مِنْك وَلَا عَلَيْك لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ وَإِنْ نَوَاهُ بِخِلَافِ أَنْتِ بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ وَنَوَى الطَّلَاقَ ذَكَرَهُ فِي الْوَجِيزِ وَمِثْلُهُ فِي الْمَبْسُوطِ اهـ وَفِي النِّهَايَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنَا بَائِنٌ يَعْنِي مِنْك وَلَمْ يَقُلْ مِنْك لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ وَإِنْ عَنَى بِهِ الطَّلَاقَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنَا حَرَامٌ وَلَمْ يَقُلْ عَلَيْك اهـ وَقَوْلُ الْعَيْنِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِهِ، وَلَوْ قَالَ أَنَا بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ تَطْلُقُ إذَا نَوَى غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ النُّقُولِ. اهـ. .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً) أَيْ أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا. (قَوْلُهُ أَوْ لَا) أَيْ، وَكَذَا طَالِقٌ أَوْ غَيْرُ طَالِقٍ أَوْ وَطَالِقٌ أَوْ لَا وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ قَالَ الْمُصَنِّفُ هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ. اهـ. فَتْحٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>