الْقَيْدِ مِنْ وَجْهٍ يَكْفِي لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ مَا إذَا مَلَكَهَا هُوَ؛ لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا هُنَاكَ حَتَّى حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا قُلْنَا الْعِدَّةُ وَاجِبَةٌ فِي الْأُولَى أَيْضًا حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ غَيْرِهِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَلَوْ أَعْتَقَهَا ظَهَرَتْ الْعِدَّةُ وَإِنَّمَا لَا تَظْهَرُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ لِحِلِّ وَطْئِهَا لَهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَوْ اشْتَرَتْ زَوْجَهَا ثُمَّ أَعْتَقَتْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَقَعَ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا لِزَوَالِ الْمُنَافِي لِمَالِكِيَّةِ الطَّلَاقِ، وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى وَفِي الْكَافِي جَعَلَ هَذَا قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَفَرَّقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَقَبْلَهُ بِهَذَا الْفَرْقِ، وَهَذَا سَهْوٌ فَإِنَّ عِنْدَهُ الطَّلَاقُ وَاقِعٌ عَلَيْهَا قَبْلَ الْعِتْقِ وَقَدْ ذَكَرَهُ هُوَ بِنَفْسِهِ قُبَيْلَهُ فَلَا مَعْنَى لِهَذَا الْفَرْقِ وَعَلَى هَذَا لَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَقَعَ طَلَاقُهُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِشَرْطٍ أَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ لِلسَّنَةِ أَوْ إلَى مِنْهَا قَبْلَ الشِّرَاءِ فَوُجِدَ الشَّرْطُ أَوْ جَاءَ وَقْتُ السَّنَةِ أَوْ مَضَتْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَالْعِتْقِ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ وَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ بَعْدَ الشِّرَاءِ قَبْلَ الْعِتْقِ لَمْ يَقَعْ فِي الْوَجْهَيْنِ وَالْبَيْعُ بَعْدَ الشِّرَاءِ كَالْعِتْقِ فِيمَا ذَكَرْنَا لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ ارْتَدَّ الزَّوْجُ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَطَلَّقَهَا لَمْ يَقَعْ، وَلَوْ أَسْلَمَ ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَقَعَ، وَلَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَخَرَجَ إلَيْنَا مُسْلِمًا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ فَلَوْ طَلَّقَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا لِانْعِدَامِ أَحْكَامِ النِّكَاحِ مِنْ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى وَالْعِدَّةِ عِنْدَهُ ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ فُرْقَةٍ هِيَ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَالْفُرْقَةِ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ أَوْ الْعِتْقِ أَوْ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ أَوْ كُلُّ فُرْقَةٍ هِيَ تَحْرِيمٌ عَلَى التَّأْبِيدِ فَطَلَّقَهَا فِيهِ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ وَفِي الْعُنَّةِ وَاللِّعَانِ يَقَعُ طَلَاقُهُ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ فِيهِمَا طَلَاقٌ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ مَعَ عِتْقِ مَوْلَاكِ إيَّاكِ فَأَعْتَقَ لَهُ الرَّجْعَةُ) أَيْ إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِزَوْجَتِهِ الْأَمَةِ أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ مَعَ إعْتَاقِ مَوْلَاك إيَّاكَ فَأَعْتَقَهَا الْمَوْلَى طَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ وَيَمْلِكُ الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ فَالْعِتْقُ حُكْمُ الْإِعْتَاقِ فَاسْتُعِيرَ لِسَبَبِهِ وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلْقَتَيْنِ بِالْإِعْتَاقِ وَالْمُعَلَّقُ يُوجَدُ بَعْدَ الشَّرْطِ فَتَطْلُقُ وَهِيَ حُرَّةٌ وَالْحُرَّةُ لَا تَحْرُمُ بِالطَّلْقَتَيْنِ حُرْمَةً غَلِيظَةً وَإِنَّمَا قُلْنَا بِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِهِ لِوُجُودِ مَعْنَاهُ، وَهَذَا لِأَنَّ الشَّرْطَ مَا يَكُونُ مَعْدُومًا عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ وَالْحُكْمُ يَتَعَلَّقُ بِهِ وَيُضَافُ إلَيْهِ وُجُودًا لَا وُجُوبًا، وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ وُجِدَ فِيهِ فَإِذَا صَارَ مُعَلَّقًا بِهِ يَصِيرُ تَطْلِيقًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لِدُخُولِهِ عَلَى السَّبَبِ عِنْدَنَا فَيُوجَدُ التَّطْلِيقُ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ كَأَنَّهُ أَرْسَلَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مُقَارِنًا لِلْعِتْقِ الَّذِي هُوَ حُكْمُ الْإِعْتَاقِ فَتَصِيرُ حُرَّةً بِهِ ثُمَّ يَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ الَّذِي هُوَ حُكْمُ التَّطْلِيقِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ فَلَا تَحْرُمُ بِهِ حُرْمَةً غَلِيظَةً وَلَا يُقَالُ إنَّ كَلِمَةَ مَعَ لِلْقِرَانِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ مَا ذَكَرْتُمْ؛ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ تُذْكَرُ لِلتَّأَخُّرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: ٥] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ} [النمل: ٤٤] أَيْ بَعْدَهُ فَإِنْ قِيلَ عَلَى مَا ذَكَرْتُمْ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ قَوْلُهُ لِأَجْنَبِيَّةٍ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ نِكَاحِك عَلَى مَعْنَى إنْ تَزَوَّجْتُك وَالْحُكْمُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إذَا تَزَوَّجَهَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ قُلْنَا إنَّمَا تَرَكْنَا الْحَقِيقَةَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الزَّوْجَ مَالِكٌ لِلطَّلَاقِ تَنْجِيزًا أَوْ تَعْلِيقًا وَتَصَرُّفُهُ نَافِذٌ فَلَزِمَ مِنْ صِحَّتِهِ تَعَلُّقُهُ بِهِ. وَأَمَّا الْأَجْنَبِيُّ فَلَا يَمْلِكُ الطَّلَاقَ تَنْجِيزًا وَلَا تَعْلِيقًا وَلَكِنْ يَمْلِكُ الْيَمِينَ فَإِنْ صَحَّ التَّرْكِيبُ بِذِكْرِ حُرُوفِهِ بِأَنْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ صَحَّ ضَرُورَةَ صِحَّةِ الْيَمِينِ مَعَ الْمُنَافِي فِيمَا لَمْ يَلْزَمْ الْعُدُولُ فِيهِ عَنْ الْحَقِيقَةِ وَفِيمَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى التَّنَافِي وَالطَّلَاقُ مَعَ النِّكَاحِ يَتَنَافَيَانِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ رَفْعُ الْقَيْدِ وَالنِّكَاحُ إثْبَاتُهُ فَلَا يَقْتَرِنَانِ فَيَلْغُو ضَرُورَةً بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَالْعِتْقَ لَا يَتَنَافَيَانِ وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي دُخُولِك الدَّارَ يَتَعَلَّقُ بِالدُّخُولِ، وَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ أَنْتِ طَالِقٌ فِي نِكَاحِك يَلْغُو لِمَا ذَكَرْنَا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ تَعَلَّقَ عِتْقُهَا وَطَلْقَتَاهَا بِمَجِيءِ الْغَدِ فَجَاءَ لَا وَعِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ) وَمَعْنَاهُ إذَا قَالَ الْمَوْلَى لِأَمَتِهِ إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتِ حُرَّةٌ، وَقَالَ زَوْجُهَا إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَجَاءَ الْغَدُ لَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ وَعِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ زَوْجُهَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْعِلَّةَ وَالْمَعْلُولَ يَقْتَرِنَانِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَالِاسْتِطَاعَةِ مَعَ الْفِعْلِ وَعِنْدَ الْبَعْضِ يَتَعَاقَبَانِ؛ لِأَنَّ الْعِلَلَ الشَّرْعِيَّةَ لَهَا بَقَاءٌ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْأَعْيَانِ وَالْأَصْلُ تَقَدُّمُ الْمُؤَثِّرِ عَلَى الْأَثَرِ فَأَمْكَنَ ذَلِكَ فِيهَا فَيُصَارُ إلَيْهِ فِيهَا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
الرَّحِمِ عَنْ الْمَاءِ وَيَسْتَحِيلُ اسْتِبْرَاءُ رَحِمِهَا مِنْ مَاءِ نَفْسِهِ مَعَ بَقَاءِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلْحِلِّ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ لِزَوَالِ الْمُنَافِي) أَيْ وَهُوَ مِلْكُ الْيَمِينِ إذْ لَا قَيْدَ حِينَئِذٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ رَفْعُهُ فَإِذَا أَعْتَقَتْهُ ظَهَرَ أَحْكَامُ النِّكَاحِ فَتَحَقَّقَ الْقَيْدُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الْكَافِي جَعَلَ هَذَا قَوْلَ مُحَمَّدٍ)، وَكَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمَنْظُومَةِ فِي بَابِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ عَلَى خِلَافِ مُحَمَّدٍ وَلَا قَوْلَ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ مُصَنِّفُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنَّ عِنْدَهُ الطَّلَاقَ وَاقِعٌ عَلَيْهَا قَبْلَ الْعِتْقِ) أَيْ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا طَلَاقٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ وَإِنَّمَا ذَاكَ فِي رِوَايَةٍ ذَكَرَهَا صَاحِبُ الْهِدَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَمْ يَقَعْ فِي الْوَجْهَيْنِ) يَعْنِي فِيمَا إذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَوْ اشْتَرَتْ هِيَ زَوْجَهَا اهـ. (قَوْلُهُ وَالْعِدَّةُ عِنْدَهُ) أَيْ لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً. اهـ. .
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلْقَتَيْنِ بِالْإِعْتَاقِ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الثِّنْتَيْنِ إلَى الْإِعْتَاقِ بِكَلِمَةِ مَعَ وَلَا تَعْلِيقَ هُنَاكَ لِعَدَمِ أَدَاةِ التَّعْلِيقِ وَالْمُضَافُ إلَى الْعِتْقِ يُقَارِنُهُ وَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُضَافَ سَبَبٌ فِي الْحَالِ فَيُقَارِنُ الْمُضَافَ إلَيْهِ وَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ يَتَأَخَّرُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ سَبَبًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ. اهـ. سَرُوجِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute