للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِخِلَافِ الِاسْتِطَاعَةِ مَعَ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهَا عَرْضٌ فَلَوْ تَقَدَّمَتْ كَانَ الْفِعْلُ بِلَا اسْتِطَاعَةٍ وَهُوَ مُحَالٌ ثُمَّ لِتَخْرِيجِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَوْجُهٌ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّهُ اخْتَارَ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ بِالْقِرَانِ فِي الْعِتْقِ وَبِالتَّعَاقُبِ فِي الطَّلَاقِ: وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْمُعَلَّقَ كَالْمُرْسَلِ عِنْدَ الشَّرْطِ فَيَكُونُ كَأَنَّ الْمَوْلَى وَالزَّوْجَ أَرْسَلَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَقَعُ أَوْجَزُ الْقَوْلَيْنِ أَوَّلًا وَهُوَ الْعِتْقُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ حُرَّةٌ أَوْجَزُ مِنْ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَهِيَ حُرَّةٌ فَلَا تَحْرُمُ بِهِمَا حُرْمَةً غَلِيظَةً وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّ الْعِتْقَ وَالطَّلَاقَ وَإِنْ كَانَا يَقْتَرِنَانِ مَعَ عِلَّتِهِمَا أَوْ يَتَعَاقَبَانِ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَذْهَبَيْنِ لَكِنَّ حُكْمَ التَّطْلِيقِ يَتَأَخَّرُ عَنْ حُكْمِ الْإِعْتَاقِ فِي الْوُجُودِ لِكَوْنِ الطَّلَاقِ مَحْظُورًا وَالْإِعْتَاقِ مَنْدُوبًا إلَيْهِ شَرْعًا كَمَا فِي الْبَيْعِ إذَا كَانَ صَحِيحًا يُفِيدُ الْحُكْمَ وَهُوَ الْمِلْكُ لِلْحَالِّ وَإِذَا كَانَ فَاسِدًا يَتَأَخَّرُ إلَى وُجُودِ الْقَبْضِ لِكَوْنِهِ مَحْظُورًا: وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ: وَهُوَ مُعْتَمَدُهُ أَنَّهُمَا لَمَّا تَعَلَّقَا بِشَرْطٍ وَاحِدٍ وَجَبَ أَنْ تَطْلُقَ زَمَنَ نُزُولِ الْحُرِّيَّةِ فَيُصَادِفُهَا وَهِيَ حُرَّةٌ لِاقْتِرَانِهِمَا وُجُودًا فَلَا تَحْرُمُ بِهِمَا حُرْمَةً غَلِيظَةً: وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّ الِاحْتِيَاطَ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ أَوْ الْحِلَّ كَانَ ثَابِتًا بِيَقِينٍ فَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ احْتِيَاطًا، وَلِهَذَا كَانَ عِدَّتُهَا ثَلَاثَ حِيَضٍ وَلَهُمَا أَنَّهُمَا تَعَلَّقَا بِشَرْطٍ وَاحِدٍ ثُمَّ الْعِتْقُ يُصَادِفُهَا وَهِيَ أَمَةٌ فَكَذَا الطَّلْقَتَانِ فَتَحْرُمُ بِهِمَا حُرْمَةً غَلِيظَةً، وَهَذَا لِأَنَّ زَمَانَ ثُبُوتِ الْعِتْقِ هُوَ زَمَانُ ثُبُوتِ الطَّلَاقِ ضَرُورَةَ تَعَلُّقِهِمَا بِشَرْطٍ وَاحِدٍ وَالْعِتْقُ فِي زَمَانِ ثُبُوتِهِ لَيْسَ بِثَابِتٍ لِإِطْبَاقِ الْعُقَلَاءِ عَلَى أَنَّ الشَّيْءَ فِي زَمَانِ ثُبُوتِهِ لَيْسَ بِثَابِتٍ فَلَا يُصَادِفُهَا تَطْلِيقَتَانِ وَهِيَ حُرَّةٌ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ ثَمَّ شَرْطٌ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ بَعْدَهُ وَبِخِلَافِ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهَا حُكْمُ الطَّلَاقِ فَتَعْقُبُهُ أَوْ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَاطُ فِيهَا، وَكَذَا الْحُرْمَةُ الْغَلِيظَةُ يُحْتَاطُ فِيهَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَنْتِ طَالِقٌ هَكَذَا وَأَشَارَ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ فَهِيَ ثَلَاثٌ)؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ بِالْأَصَابِعِ تُفِيدُ الْعِلْمَ بِالْعَدَدِ عُرْفًا وَشَرْعًا إذَا اقْتَرَنَتْ بِالِاسْمِ الْمُبْهَمِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ الْعَشَرَةِ» يَعْنِي ثَلَاثِينَ يَوْمًا قَالَ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَخَنَسَ إبْهَامَهُ فِي الثَّالِثَةِ يَعْنِي تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَلَوْ أَشَارَ بِالْوَاحِدَةِ طَلُقَتْ وَاحِدَةً، وَلَوْ أَشَارَ بِالثِّنْتَيْنِ طَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ وَالْإِشَارَةُ تَقَعُ بِالْمَنْشُورَةِ مِنْهَا دُونَ الْمَضْمُومَةِ لِلْعُرْفِ وَالسُّنَّةِ، وَلَوْ نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْمَضْمُومَتَيْنِ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً، وَكَذَا لَوْ نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْكَفِّ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَقِيلَ إذَا أَشَارَ بِظُهُورِهَا فَبِالْمَضْمُومَةِ مِنْهَا وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ ظَهْرَ الْكَفِّ إلَيْهَا وَبُطُونَ الْأَصَابِعِ إلَى نَفْسِهِ وَقِيلَ إنْ كَانَ بَطْنُ كَفِّهِ إلَى السَّمَاءِ فَالْعِبْرَةُ لِلنَّشْرِ وَإِنْ كَانَ إلَى الْأَرْضِ فَالْعِبْرَةُ لِلضَّمِّ وَقِيلَ إنْ كَانَ نَشْرًا عَنْ ضَمٍّ فَالْعِبْرَةُ لِلنَّشْرِ وَإِنْ كَانَ ضَمًّا عَنْ نَشْرٍ فَالْعِبْرَةُ لِلضَّمِّ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ إصْبَعٍ وَإِصْبَعٍ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ وَلَمْ يَقُلْ هَكَذَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ تَفْسِيرٌ لِلْعَدَدِ الْمُبْهَمِ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَغَتْ فَيَكُونُ الْعَامِلُ فِيهِ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ أَوْ أَلْبَتَّةَ أَوْ أَفْحَشَ الطَّلَاقِ أَوْ طَلَاقَ الشَّيْطَانِ أَوْ الْبِدْعَةَ أَوْ كَالْجَبَلِ أَوْ أَشَدَّ الطَّلَاقِ أَوْ كَأَلْفٍ أَوْ مِلْءَ الْبَيْتِ أَوْ تَطْلِيقَةً شَدِيدَةً أَوْ طَوِيلَةً أَوْ عَرِيضَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ إنْ لَمْ يَنْوِ ثَلَاثًا)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَقَعُ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ إنْ دَخَلَ بِهَا وَكَانَ بِغَيْرِ بَدَلٍ؛ لِأَنَّهَا حُكْمُ الطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَا يَمْلِكُ تَبْدِيلَهُ كَسَائِرِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنْ لَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك وَلَنَا أَنَّهُ وَصَفَ الطَّلَاقَ بِمَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْنُونَةَ تَثْبُتُ بِهِ لِلْحَالِّ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ

وَهَذَا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْأَصْلِ هُوَ الْمُوجِبُ لِلْبَيْنُونَةِ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِرَفْعِ النِّكَاحِ وَقَطْعِهِ وَلَا تَأْثِيرَ لِمُضِيِّ الْمُدَّةِ فِيهَا لَكِنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِالتَّأْخِيرِ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي صَرِيحِ الطَّلَاقِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَوْصُوفًا بِالْبَيْنُونَةِ فَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ وَهُوَ اتِّصَالُ الْحُكْمِ بِعِلَّتِهِ فِي الْحَالِ فَتَقَعُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ لِمَا مَرَّ فِي أَوَائِلِ بَابِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِ زُفَرَ مِنْ أَنَّهُ جِنْسٌ وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ وَمَسْأَلَةُ الرَّجْعَةِ مَمْنُوعَةٌ، وَلَوْ نَوَى بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَبِقَوْلِهِ بَائِنٌ وَنَحْوِهِ أُخْرَى يَقَعُ ثِنْتَانِ وَيَكُونُ بَائِنًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ اللَّفْظَيْنِ يَصْلُحُ لِلْإِيقَاعِ وَقِيَاسُهُ أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا رَجْعِيَّةً لَكِنْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ أَوْ الْحِلَّ كَانَ ثَابِتًا) أَيْ مِلْكَ النِّكَاحِ وَالْحِلَّ بِهِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ.

(قَوْلُهُ الْمَضْمُومَةُ لِلْعُرْفِ وَالسُّنَّةِ)؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا خَنَسَ إبْهَامَهُ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ فُهِمَ مِنْهُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا، وَلَوْ اُعْتُبِرَتْ الْمَضْمُومَةُ لَكَانَ الْمَفْهُومُ أَحَدًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا اهـ (قَوْلُهُ، وَكَذَا لَوْ نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْكَفِّ) وَصُورَةُ الْإِشَارَةِ بِالْكَفِّ أَنْ تَكُونَ جَمِيعُ الْأَصَابِعِ مَنْشُورَةً قَالَهُ فِي الدِّرَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ ظَهْرَ الْكَفِّ إلَيْهَا) أَيْ إلَى الْمَرْأَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ إصْبَعٍ وَإِصْبَعٍ) يَعْنِي بَيْنَ الْأَصَابِعِ الَّتِي اعْتَادَ النَّاسُ الْإِشَارَةَ بِهَا وَبَيْنَ الْأَصَابِعِ الْأُخَرِ. اهـ. .

(قَوْلُهُ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنْ لَا رَجْعَةَ) سَيَأْتِي بَعْدَ أَسْطُرٍ أَنَّ مَسْأَلَةَ الرَّجْعَةِ مَمْنُوعَةٌ يَعْنِي أَنَّ الطَّلَاقَ فِيهَا بَائِنٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ)، وَكَذَا ذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ، وَقَالَ الْعَتَّابِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ الثَّلَاثَ فِي طَالِقٍ تَطْلِيقَةً شَدِيدَةً أَوْ عَرِيضَةً أَوْ طَوِيلَةً؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى التَّطْلِيقَةِ وَأَنَّهَا تَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَةَ وَنَسَبَهُ إلَى شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَرَجَّحَ بِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تَعْمَلُ فِي الْمُحْتَمَلِ وَتَطْلِيقَةً بِتَاءِ الْوَحْدَةِ لَا تَحْتَمِلُ الثَّلَاثَ كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ وَاحِدٌ اعْتِبَارِيٌّ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَدَدٌ. اهـ. رَازِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>