فِي الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَبْطُلُ قَالَ (وَنَظَرُ وَكِيلِهِ بِالْقَبْضِ كَنَظَرِهِ لَا نَظَرِ رَسُولِهِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَا يَكُونُ كَنَظَرِهِ حَتَّى لَا يَسْقُطَ خِيَارُ الْمُوَكِّلِ بِقَبْضِهِ؛ لِأَنَّهُ يُوَكِّلُ بِالْقَبْضِ دُونَ إسْقَاطِ الْخِيَارِ فَلَا يَمْلِكُ مَا لَمْ يَتَوَكَّلْ بِهِ وَصَارَ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَالشَّرْطِ فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إسْقَاطِهِمَا.
فَكَذَا هَذَا وَأَقْرَبُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إسْقَاطِهِ قَصْدًا بِأَنْ قَبَضَهُ مَسْتُورًا فَأَسْقَطَ الْخِيَارَ بَعْدَهُ أَوْ كَأَنْ رَآهُ مِنْ قَبْلُ فَإِنَّ خِيَارَ الْمُوَكِّلِ لَا يَسْقُطُ بِهِ فَكَذَا ضَمِنَا بِالْقَبْضِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِالْقَبْضِ وَأَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِيهِ وَالْقَبْضُ عَلَى نَوْعَيْنِ قَبْضٌ تَامٌّ وَهُوَ أَنْ يَقْبِضَهُ وَهُوَ يَرَاهُ وَنَاقِصٌ وَهُوَ أَنْ يَقْبِضَهُ مَسْتُورًا؛ لِأَنَّهُ إذَا قَبَضَهُ مَسْتُورًا فَخِيَارُهُ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ حَتَّى يَرَاهُ وَلَا تَتِمُّ الصَّفْقَةُ مَعَ بَقَاءِ الْخِيَارِ فَكَانَ نَاقِصًا وَالْمُوَكِّلُ يَمْلِكُهُ بِنَوْعَيْهِ فَكَذَا الْوَكِيلُ لِإِطْلَاقِ التَّوْكِيلِ وَإِذَا قَبَضَهُ مَسْتُورًا انْتَهَتْ الْوَكَالَةُ بِالْقَبْضِ النَّاقِصِ فَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ قَصْدًا بَعْدَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ أَجْنَبِيًّا بَعْدَ انْتِهَاءِ الْوَكَالَةِ وَهَذَا لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْقَبْضَ وَالْقَبْضُ يَتَضَمَّنُ السُّقُوطَ لِكَوْنِهِ كَامِلًا ضَرُورَةً فَإِذَا انْفَصَلَ السُّقُوطُ عَنْ الْقَبْضِ بِأَنْ كَانَ بَعْدَهُ قَصْدًا أَوْ قَبْلَهُ بِالرُّؤْيَةِ لَا يَمْلِكُهُ إذْ لَمْ يُوَكِّلْهُ إلَّا بِالْقَبْضِ وَهَذَا بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ فَلَا يَتَنَوَّعُ الْقَبْضُ مَعَهُ وَبِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِقَبْضِ الْمُوَكِّلِ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْقَبْضُ التَّامُّ فَكَذَا بِقَبْضِ الْوَكِيلِ وَبِخِلَافِ الرَّسُولِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا، وَإِنَّمَا إلَيْهِ تَبْلِيغُ الرِّسَالَةِ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ وَالتَّسْلِيمَ إذَا كَانَ رَسُولًا فِي الشِّرَاءِ أَوْ الْبَيْعِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّوْكِيلِ وَالْإِرْسَالِ أَنْ يَقُولَ فِي التَّوْكِيلِ كُنْ وَكِيلِي فِي الْقَبْضِ وَفِي الْإِرْسَالِ كُنْ رَسُولِي فِيهِ أَوْ أَمَرْتُك بِقَبْضِهِ، وَبِقَوْلِهِ وَنَظَرُ وَكِيلِهِ بِالْقَبْضِ اُحْتُرِزَ عَنْ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ فَإِنَّ نَظَرَهُ بِالْإِجْمَاعِ كَنَظَرِ الْمُوَكِّلِ فَقَيَّدَهُ بِالْقَبْضِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاخْتِلَافِ وَلَمْ يُقَيِّدْ الرَّسُولَ بِهِ؛ لِأَنَّ نَظَرَهُ لَا يَكُونُ كَنَظَرِ الْمُرْسِلِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ الرَّسُولُ بِالْقَبْضِ أَوْ بِالشِّرَاءِ.
قَالَ (وَصَحَّ عَقْدُ الْأَعْمَى وَيَسْقُطُ خِيَارُهُ إذَا اشْتَرَى بِجَسِّ الْمَبِيعِ وَشَمِّهِ وَذَوْقِهِ وَفِي الْعَقَارِ بِوَصْفِهِ) أَمَّا صِحَّةُ عَقْدِهِ فَلِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ مُحْتَاجٌ فَصَارَ كَالْبَصِيرِ، وَأَمَّا سُقُوطُ خِيَارِهِ بِمَا ذَكَرَهُ فَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تُفِيدُ الْعِلْمَ لِمَنْ اسْتَعْمَلَهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْبَصِيرِ وَقَوْلُهُ يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِجَسِّ الْمَبِيعِ إلَخْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا وُجِدَ الْجَسُّ مِنْهُ قَبْلَ الشِّرَاءِ، وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى قَبْلَ أَنْ يَجُسَّ لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِهِ بَلْ يَثْبُتُ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ لِمَا رَوَيْنَا وَيَمْتَدُّ إلَى أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ فِي الصَّحِيحِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَاكْتَفَى بِالْوَصْفِ فِي الْعَقَارِ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُ إلَى مَعْرِفَتِهِ إلَّا بِهِ وَالْوَصْفُ قَدْ يَقُومُ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ فِي حَقِّ الْبَصِيرِ كَمَا فِي السَّلَمِ حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فِيهِ بَعْدَ مَا وُصِفَ لَهُ فَكَذَا فِي حَقِّهِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
لَا يَصْلُحُ وَلَا أَقْدِرُ عَلَى الرَّدِّ، وَقَالَ الْبَائِعُ أَخَافُ إنْ قَلَعْته لَا تَرْضَى بِهِ قَالَ مَنْ تَطَوَّعَ بِالْقَلْعِ جَازَ وَإِنْ تَشَاحَّا عَلَى ذَلِكَ فَسَخَ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْإِجْبَارُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ) أَيْ حَتَّى يَصُبَّهُ فِي كَفِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ الدُّهْنَ حَقِيقَةً لِوُجُودِ الْحَائِلِ. اهـ. فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ: وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَبْطُلُ) أَيْ؛ لِأَنَّ الزُّجَاجَ لَا يُخْفِي صُورَةَ الدُّهْنِ وَرَوَى هِشَامٌ أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَنَظَرُ وَكِيلِهِ بِالْقَبْضِ كَنَظَرِهِ) أَيْ إذَا قَبَضَهُ الْوَكِيلُ نَاظِرًا إلَيْهِ مَكْشُوفًا اهـ (قَوْلُهُ: وَصَارَ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَالشَّرْطِ) أَيْ بِأَنْ اشْتَرَى مَعِيبًا لَمْ يَرَ عَيْبَهُ ثُمَّ وَكَّلَ بِقَبْضِهِ فَقَبَضَهُ الْوَكِيلُ وَهُوَ يَرَى عَيْبَهُ لَا يَسْقُطُ خِيَارُ الْعَيْبِ لِلْمُوَكِّلِ، وَكَذَا إذَا وَكَّلَهُ فِي قَبْضِ مَا اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَقَبَضَهُ الْوَكِيلُ لَا يَسْقُطُ خِيَارُ الشَّرْطِ. اهـ. فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ: بِأَنْ قَبَضَهُ) أَيْ الْوَكِيلُ. اهـ. (قَوْلُهُ: مَسْتُورًا) أَيْ ثُمَّ رَآهُ. اهـ. فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ: وَالْقَبْضُ عَلَى نَوْعَيْنِ قَبْضٌ تَامٌّ وَهُوَ أَنْ يَقْبِضَهُ وَهُوَ يَرَاهُ)، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا قَبْضًا تَامًّا؛ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ يَبْطُلُ بِهَذَا الْقَبْضِ وَبَقِيَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ يَمْنَعُ تَمَامَ الْعَقْدِ فَلَمَّا بَطَلَ بِهَذَا الْقَبْضِ مِنْ الْمُشْتَرِي كَانَ هَذَا الْقَبْضُ تَامًّا. اهـ. كَمَالٌ.
(قَوْلُهُ: فَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ إلَخْ) وَنُقِضَ بِمَسْأَلَتَيْنِ لَمْ يَقُمْ الْوَكِيلُ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِيهِمَا إحْدَاهُمَا أَنَّ الْوَكِيلَ لَوْ رَأَى قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَسْقُطْ بِرُؤْيَتِهِ الْخِيَارُ وَالْمُوَكِّلُ لَوْ رَأَى وَلَمْ يَقْبِضْ يَسْقُطُ خِيَارُهُ وَالثَّانِيَةُ لَوْ قَبَضَهُ الْمُوَكِّلُ مَسْتُورًا ثُمَّ رَآهُ بَعْدَ الْقَبْضِ فَأَبْطَلَ الْخِيَارَ بَطَلَ وَالْوَكِيلُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَبْطُلْ وَأُجِيبَ بِأَنَّ سُقُوطَ الْخِيَارِ بِقَبْضِ الْوَكِيلِ إنَّمَا يَثْبُتُ ضِمْنًا لِتَمَامِ قَبْضِهِ بِسَبَبِ وِلَايَتِهِ بِالْوَكَالَةِ وَلَيْسَ هَذَا ثَابِتًا فِي مُجَرَّدِ رُؤْيَتِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَنَقُولُ بَلْ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ لِلْمُوَكِّلِ وَهُوَ سُقُوطُ خِيَارِهِ إذَا رَآهُ إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى الْقَوْلِ بِأَنْ مُجَرَّدَ مُضِيِّ مَا يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ الْفَسْخِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ يُسْقِطُ الْخِيَارَ وَلَيْسَ هُوَ بِالصَّحِيحِ وَبِعَيْنِ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ يَقَعُ الْفَرْقُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ ضِمْنًا لِلْقَبْضِ الصَّحِيحِ بَلْ ثَبَتَ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْوَكَالَةِ بِالْقَبْضِ النَّاقِصِ. اهـ. فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ: وَهَذَا بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ) أَيْ بِخِلَافِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَسَقَطَ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ اهـ.
(قَوْلُهُ: فَصَارَ كَالْبَصِيرِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا يُمْكِنُ جَسُّهُ وَذَوْقُهُ وَشَمُّهُ يُكْتَفَى بِذَلِكَ لِسُقُوطِ خِيَارِهِ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَاتِ وَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ الْوَصْفِ لَهُ وَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ نَظَرِ الْبَصِيرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْصَى مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى مَعْرِفَةِ الشَّيْءِ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْوَصْفُ مَعَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ الْكَامِلَ فِي حَقِّهِ يَثْبُتُ بِهَذَا فَأَمَّا فِيمَا لَا يُمْكِنُ جَسُّهُ كَالثَّمَرِ عَلَى رُءُوسِ الشَّجَرِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْوَصْفُ لَا غَيْرُ، فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَاتِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ اهـ.
(قَوْلُهُ: فَكَذَا فِي حَقِّهِ) أَيْ فَإِذَا رَضِيَ الْأَعْمَى بِالْوَصْفِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ النَّظَرِ مِنْ الْبَصِيرِ اهـ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ اشْتَرَطَ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يُوقَفَ فِي مَكَان إلَخْ فِي جَامِعِ الْعَتَّابِيِّ هُوَ أَنْ يُوقَفَ فِي مَكَان لَوْ كَانَ بَصِيرًا لَرَآهُ ثُمَّ يَذْكُرُ لَهُ صِفَتَهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ إيقَافَهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الْوَصْفِ وَسُقُوطُ الْخِيَارِ بِهِ فَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْوَصْفِ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ قَدْ أُقِيمَ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ كَمَا فِي السَّلَمِ وَمِمَّنْ أَنْكَرَهُ الْكَرْخِيُّ، وَقَالَ