وكنت أعرف قبل هذه الدراسة، وعن طريق الترجمات- ان القرآن يذكر انواعا كثيرة من الظاهرات الطبيعية، ولكن معرفتي وجيزة. وبفضل الدراسة الواعية للنص العربي استطعت أن أحقق قائمة ادرتت بعد الانتهاء منها أن القرآن لا يحتوي على أية مقولة قابلة للنقد من وجهة نظر العلم في لاعصر الحديث.
وبنفس الموضوعية قمتُ بنفس الفحص على العهد القديم والأناجيل: أما بالنسبة للعهد القديم فلم تكن هناك حاجة للذهاب الى ابعد من الكتاب الأول، أي سِفر التكوين، حيث وجدت مقولاتٍ لا يمكن التوفيق بينها وبين أكثر معطيات العلم رسوخاً في عصرنا.
وأما بالنسبة للأناجيل فما نكاد نفتح الصفحة الأولى منها حتى نجد أنفسنا دفعة واحدة في مواجهة مشكلة خطيرة، ونعني بها شجرة انساب المسيح. ذلك أن نص إنجيل متّة يناقض بشكل جلي إنجيلَ لوقا. اذ أن هذا الاخير يقدم لنا صراحة أمراً لا يتفق مع المعارف الحديثة الخاصة بقدَم الانسان على الارض. غير ان وجود هذه الامور المتناقضة وتلك التي لا يحتلمها التصديق، وتلك الآخرى التي لا تتفق والعلم- لا يبدو لي أنها تستطيع أن تضعِف الايمان بالله. ولا تقع المسؤلية فيها إلا على البشر. ولا يستطيع أحدا أن يقول كيف كانت النصوص الاصلية، وما نصيب الخيال والهوى في عملية تحريرها، او ما نصيب التحريف المقصود من قِبَل كتبةِ هذه النصوص، او ما نصب التعديلات غير الواعية التي ادخلت على الكتب المقدسة.
ان ما يصدمنا حقاً في أيامنا هذه ان نرى المتخصصين في دراسة النصوص يتجاهلون ذلك التناقض والتعارض مع الحقائق العلمية الثابة، او نراهم يكشفون عن بعض نقاط الضعف ليحاولوا التستّر عليها، مستعيني في ذلك ببهلوانات جدلية.
وسنقدم في هذا الكتباب أمثلة لاستخدام وسائل التستّر على التناقض او على امر بعيد التصديق، مما يسمونه «صعوبةً» استحياءً منهم، وأنه كان ناجحا في كثير من الاحيان. وهذا ما يفسر لنا كيف ان كثيراً من المسيحيين ظلوا يجهلون نقاط الضعف الخطيرة في كثير من المقاطع في العهد القديم وفي الأناجيل وسيجد القارئ في الجزئين الأول والثاني من هذا الكتاب امثلة صحيحة في ذلك.
اما الجزء الثالث فسيد فيه القارئ أمثلة توضحيحية لتطبيق العلم على دارسة أحد الكتب المقدسة، وهو تطبيق لم يكن يتوقعه الانسان. كما سيجد القارئ في ذلك بياناً لما قد جاء به العلم الحديث الذي هو في متناول كل يد، من اجل فهمٍ أكملَ لبعض الآيات القرآنية التي ظلت حتى الآن مستغلقة او غير مفهومة. ولا عجب في هذا إذا عرفنا أن الإسلام قد اعتبر دائما ان الدين والعلم توأمان متلازمان.