وكان مفروق أغلبَ القوم لساناً وأوضَحهم بياناً، فالتفتَ إلى رسول الله وقال له: إلامَ تدعو يا أخا قريش؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«أدعوكم إلى شهادة ان لا إلهَ الا الله وحدَه لا شريك له، وأَنّي رسولُ الله، وان تُؤوُني وتنصروني وتمنعوني حتى أوْدّيَ حقّ اللهِ الذي أمرني به، فن قريشاً قد تظاهرتْ على أمر الله، وكذّبت رسوله، واستغنت بالباطل عن الحق، والله هو الغني الحميد» .
فقال مفروق: وإلامَ تدعو أيضاً يا أخا قريش؟ فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم:«قل تعالوا تل ما حرّم ربكم عليكم. . الآيات الثلاث» .
فقال مفروق: وإلامَ تدعو أيضا يا أخا قريش فو الله ما هذا من كلام أهل الأرض، ولو كان من كلامهم لعرفناه. فتلا رسولُ الله:{إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل والإحسان وَإِيتَآءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاء والمنكر والبغي يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} فقال مفروق: دعوتَ واللهِ يا قرشِيُّ إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الاعمال، وقد أفِكَ قوم كذّبوك وظاهروا عليك.
وقاله هانئ بن قبيصة: قد سمعتُ مقالتك واستحسنتُ قولك يا أخا قريش ويعجبين ما تكلّمت به. فبشّرهم الرسول- إن آمنوا- بأرضِ فارسَ وانهارِ كسرى. فقال النعمان: اللهمُّ وإنّ ذلك يا اخا قريش؟ فتى رسول الله قوله تعالى:{إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَدَاعِياً إِلَى الله بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً} ثم نهض رسول الله وتركَهم وكلًّهم يعجَب من هذه الفصاحة، وتلك المعاني السامية، والفضائل العليا.
هذه مكانة الآيات الثلاث من ذلك الكتاب العظيم، وهذا مبلغ تأثيرها في نفوس العرب، أهلِ الجاهلية! وكيف لا تكون لها تلك المكانةُ وقد جمعتْ بأسلوبها الآخذِ بالقلوب أصولَ الفضائل، وعُمُدَ الحياة الطيبة التي تنبع من الفطرة السليمة!!
وبعد، فأين المسلمون اليوم حينما يمسعون هذه الآيات، ثم ينظرون إلى ما هم فيه من تفرُّق في الآراء والأحكام، ومجافاةٍ لاحكام الله، وبُغضٍ لما لا يتفق واهواءَهم منها، ومن الارتماء في أحضان أعدائهم المستعمرين، قدامى وجُدُد!!
نسأل الله تعالى ان يجمعنا على كتابه الكريم ويهدينا الصراط المستقيم.