وقد ذكر الآمدي هذا التعريف للاستحسان، وقال: لا نزاع في جواز التمسك بمثل هذا إذا تحقق المجتهد كونه دليلًا شرعيًّا، وإن عجز عن التعبير عنه، وإن نوزع في إطلاق اسم الاستحسان عليه، عاد النزاع إلى اللفظ، فرجع الأمر في هذا إلى أنه عمل بدليل شرعي؛ لأن النفوس يصير لها فيما تعانيه من العلوم والحرف ملكات قارة فيها تدرك بها الأحكام العارضة في تلك العلوم والحرف، ولو كلفت الإفصاح عن حقيقة تلك المعارف بالقول، لتعذر عليها، وقد أقر بذلك جماعة من العلماء، منهم ابن الخشاب (ت ٥٦٧ هـ) ويسمي ذلك أهل الصناعات وغيرهم: دربة، وأهل التصوف: ذوقًا، وأهل الفلسفة ونحوهم: ملكة.
فعلى هذا لا يبعد أن يحصل لبعض المجتهدين دربة وملكة في استخراج الأحكام لكثرة نظره فيها، حتى تلوح له الأحكام سابقة على أدلتها وبدونها، أو تلوح له أحكام الأدلة في مرآة الذوق والملكة على وجه تقصر عنها العبارة، فإذا اتفق ذلك للمجتهد، وحصل له به علم أو ظن، جاز العمل به.
حكمه بهذا المعنى: منعه كثير من العلماء من جهة أن هذا يصير حكمًا في الشرع بما يشبه الإلهام، وأحكام الشرع إنما بنيت على ظواهر