للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

• مسألة: لا يشترط في الأمر إرادة الآمر. أي: لا يشترط في كون الأمر أمرًا إرادة الآمر.

وبيان ذلك: أنَّ الإرادة نوعان: إرادة شرعية دينية، وإرادة كونية قدرية، والأمر الشرعي إنما تلازمه الإرادة الشرعية الدينية، ولا تلازم بينه وبين الإرادة الكونية القدرية، فالله أمر أبا جهل مثلًا بالإيمان، وأراده منه شرعًا ودينًا، ولم يرده منه كونًا وقدرًا؛ إذ لوأراده كونًا لوقع، قال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا﴾ [الأنعام: ١٠٧]، وقال: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا﴾ [السجدة: ١٣]، وقال: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى﴾ [الأنعام: ٣٥].

فإن قيل: ما الحكمة في أمره بشيء وهويعلم أنه لا يريد وقوعه كونًا وقدرًا؟.

فالجواب: أنَّ الحكمة في ذلك ابتلاء الخلق، وتمييز المطيع من غير المطيع، وقد صرح تعالى بهذه الحكمة، فإنه تعالى أمر إبراهيم بذبح ولده مع أنه لم يرد وقوع ذبحه بالفعل كونًا وقدرًا، وقد صرح بأنَّ الحكمة في ذلك ابتلاء إبراهيم، حيث قال: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ﴾ [الصافات: ١٠٦]، فظهر بطلان قول المعتزلة أن لا يكون أمرًا إلا بإرادة وقوعه، وقد جرهم ضلالهم هذا إلى قولهم: إنَّ معصية العاصي ليست بمشيئة الله؛ لأنها أمر بتركها، ولم يرد إلا التزام الذي أمر به؛ لأنَّ الأمر

<<  <  ج: ص:  >  >>