والثاني لا يجوز أيضًا؛ لأنه لو امتنع في الحكمة لكان وجه امتناعه أن يكون منفرًا عن النبي، وموهمًا أنه ﵊ يأتي بالأحكام من قبل نفسه، وهذا لو نفر عنه لنفر عنه من حيث إنه أزال حكمًا شرعيًّا، وأوهم أنه أوحى إليه بإزالته، وهذا قائم في نسخ القرآن بالقرآن، ونسخ السنة بالسنة.
الدليل الثالث: أنَّ النسخ بيان انتهاء مدة الحكم، وكتاب الله حجة، وسنة النبي ﵊ حجة، وكما يجوز أن يبين بالكتاب مدة بقاء الحكم الثابت بالكتاب، فكذلك يجوز أيضًا أن يتولى النبي ﷺ بيان مدة بقاء الحكم الثابت بالكتاب.
فإن قال قائل: إنَّ هذا يوهم الاختلاف، فهذا غلط؛ لأنَّه إن كان هذا يوهم الاختلاف، فنسخ القرآن بالقرآن يوهم الاختلاف، بل هذا يدل على قرب المنزلة حيث جوَّز له نسخ ما ثبت بالكتاب بلسانه من غير إضافة إلى الله ﷿، وهذا القرب وهذه المنزلة غير مستنكر ولا مستبعد، والذي يوضح هذا: أنه جائز نسخ التلاوة دون الحكم بغير كتاب، ونسخ التلاوة بمحو الحفظ من القلوب، إما رفعًا، وإما بانقراض الذين علموه من غير خلف، وإذا جاز بهذا الطريق جاز بلسان رسول الله بوحي الله تعالى إليه، فإنهما سواء في أنَّ النسخ كان بغير كتاب.