ثالثاً: اختلف العلماء في جواز اجتهاده ﷺ في غير ذلك على مذهبين:
المذهب الأول: أنه يجوز الاجتهاد للنبي ﷺ، وهو قول جمهور العلماء؛ لما يلي من الأدلة:
الدليل الأول: عموم قوله تعالى: ﴿فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ (٢)﴾ [الحشر: ٢] حيث إن الله قد أمر أهل البصائر أن يعتبروا ويقيسوا الأشياء بما يماثلها، وهو عامٌّ وشامل لجميع أهل البصائر، ورسول الله ﷺ أعلى أهل البصائر، وأرفعهم منزلة، فكان بالاعتبار أولى.
الدليل الثاني: قياس نبينا ﷺ على داود وسليمان ﵉.
بيانه: أنه لما اعتدت غنم قوم على زرع آخرين، ذهب صاحب الزرع وصاحب الغنم يتخاصمان إلى داود ﵇ ليحكم بينهما، فحكم بينهما بحكم، وخالفه فيه سليمان ﵇ - وحكم - أي: سليمان - بحكم آخر، فكان حكمهما بالاجتهاد، بدليل: أن سليمان لو لم يحكم بالاجتهاد لما قال تعالى: «ففهمناها سليمان»، وما يذكر بالتفهيم إنما يكون بالاجتهاد، لا بطريق الوحي، وإذا جاز لداود وسليمان ﵉ الاجتهاد، فإنه يجوز الاجتهاد لنبينا محمد ﷺ ولا فرق، والجامع: النبوة في كل.