بخلاف ما حكى الله عن قوم من الأعراب في قوله: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا﴾ [الحجرات: ١٤]، فإن الله تعالى رد عليهم بقوله: ﴿قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ [الحجرات: ١٤].
ومن تتبع مجاري الحكايات في القرآن عرف مداخلها، وما هو منها حق مما هو باطل.
ولما كان القرآن عدلًا كله، وصدقًا كله كان رده لغير الصواب، وإنكاره للمنكر المحكي على قدر ما فيه من الخلل والخطأ، فإذا كان الخطأ ناشئًا من عدم الصدق كذَّب القول، وإذا كان ناشئًا من سوء الاستدلال مع صحة القول في ذاته نبه على ذلك، فيسكت عن الصواب، ويرد الخطأ، وهو منهج دقيق، ومسلك عدل ينبغي على أتباع القرآن أن يتوخوه في فهمهم للقرآن، وتناولهم للقضايا، والقائلين بها من غير مجازفة في تخطئة أو تصويب، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى عن المنافقين: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (١)﴾ [المنافقون: ١]، فإن هذه الحكاية ممزوجة الحق بالباطل، فظاهرها حق، وباطنها كذب من حيث كان إخبارًا عن المعتقد، وهو غير مطابق، فقال تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ