٧ - من ذلك أيضًا: قول المالكية وغيرهم: إن القرينة الجازمة ربما قامت مقام البينة مستدلين على ذلك بجعل شاهد يوسف شق قميصه من دبر قرينة على صدقه، وكذب المرأة، في قوله تعالى: ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٢٦) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٧) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (٢٨)﴾ [يوسف: ٢٦ - ٢٨]، فذكره تعالى لهذا مقررًا له يدل على جواز العمل به، ومن هنا أوجب مالك حد الخمر على من استنكه، فشم في فيه ريح الخمر؛ لأن ريحها في فيه قرينة على شربه إياها.
٨ - وأخذ المالكية وغيرهم إبطال القرينة بقرينة أقوى منها من أن أولاد يعقوب لما جعلوا يوسف في غيابة الجب، جعلوا على قميصه دم سخلة، ليكون الدم على قميصه قرينة على صدقهم في أنه أكله الذئب، فأبطلها يعقوب بقرينة أقوى منها، وهي عدم شق القميص، كما بينه تعالى بقوله: ﴿وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (١٨)﴾ [يوسف: ١٨](١).
(١) أضواء البيان (٢/ ٤٨، ٤٩)، سورة المائدة، آية (٣٢) بتصرف، وقد ذكر أمثلة أخرى أخذ الفقهاء حكمها من شرع من قبلنا فانظره، ط. دار الحديث.