للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنْ ساءَني أن نِلْتِنِي بِمَسَاءةٍ ... فقد سَرَّني أنِّي خَطَرْتُ بِبَالِك

فهذا قد أنصفَ حيث أخبر: أنَّه يسوؤهُ (١) أن ينالَه محبوبُه بمساءة، ويسرُّه خطورُه بباله، لا كمن (٢) ادَّعى أنَّه يلتذُّ بأذى محبوبه له، فإنَّ هذا خارج عن الطِّباع، اللهمَّ إلا أن يكون ذلك الأذى وسيلةً إلى رضا المحبوب وقربه، فإنَّه يلتذُّ به إذا لاحظ غايتَهُ وعاقبتَه، فهذا يقعُ. وقد أخبرني بعضُ الأطباء قال: إني أَلْتَذُّ بالدواء الكريه إذا علمتُ ما يحصُل به من الشِّفاء، وأضعُه عَلَى لساني، وأَتَرَشَّفُه محبةً له.

ومن هذا التذَاذُ المُحبِّينَ بالمشاقِّ التي تُوصلُهم إلى وصَال محبوبهم وقُربِه، وكلَّما ذكروا روحَ الوصَال، وأنَّ ما هم فيه طريقٌ موصلٌ إليهم؛ لذَّ لهم مُقَاساتُه، وطابَ لهم تحمُّلُه، كما قال (٣):

لها أحاديثُ من ذِكْرَاكَ تشْغَلُهَا ... عن الشَّرابِ وتُلْهيها عن الزَّاد


(١) ش: «يسره» تحريف.
(٢) ش: «لكن».
(٣) الأبيات لإدريس بن أبي حفصة في «ديوان المعاني» (١/ ٦٣)، و «مجموعة المعاني» (ص ٩٥)، و «زهر الآداب» (١/ ٥٠٧، ٥٠٨)، و «الحماسة البصرية» (١/ ١٥٧). وتُنسب لمروان بن أبي حفصة في «ديوانه» (ص ٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>