للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحبَّ المرءُ من لا يُساعدهُ ولا يُوافقه، فعلمنا أنَّه شيءٌ في ذات النفس، وربما كانت المحبَّةُ لسببٍ من الأسباب، وتلك تفنى بفناء سببها.

قال (١): ومما يؤكِّد (٢) هذا القول أنَّنا قد علمنا أنَّ المحبَّة ضُروب، فأفضلُها محبَّةُ المتحابِّين في الله، إمَّا لاجتهادٍ في العمل، وإمَّا لاتفاق في أصل المذهب، وإمَّا لفضل علمٍ يُمْنَحُه الإنسانُ. ومحبَّةُ القرابة، ومحبَّةُ الألفة والاشتراك في المطالب، ومحبَّةُ التَّصاحُب والمعرفة، ومحبَّةٌ لبرٍّ يضعهُ المرء (٣) عند أخيه، ومحبَّةٌ لطمعٍ في جاه المحبوب، ومحبَّةُ المتحابَّيْن لسرٍّ يجتمعان عليه يلزمهما سَتْرُه، ومحبَّةٌ لبلوغ اللَّذَّة وقضاء الوَطَرِ، ومحبَّةُ العشق التي لا عِلَّةَ لها إلا ما ذكرنا من اتصال (٤) النفوس.

وكلُّ هذه الأجناس فمنقضيةٌ مع انقضاء عِلَلها، وزائدةٌ بزيادتها، وناقصةٌ بنقصانها، متأكِّدَةٌ بدُنوِّها، فاترةٌ (٥) ببعدها، حاشا محبَّةِ العشق الصَّحيح المُتمكِّن من النفس.

ثم أورَدَ هذا السُّؤال، قال (٦): والجوابُ: أنَّ نفسَ الذي لا يحبُّ من


(١) «طوق الحمامة» (ص ٢٢).
(٢) ت: «يؤيد».
(٣) ت: «العبد».
(٤) «اتصال» ساقطة من ش.
(٥) ت: «فائزة» تحريف.
(٦) طوق الحمامة (ص ٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>