في أنَّ اللذَّة تابعةٌ لِلْمَحَبَّة في الكمال والنُّقصان
فكلَّما قَوِيَتِ المحبَّةُ قويت اللذَّةُ بإدراك المحبوب، وهذا البابُ من أجلِّ أبواب الكتاب، وأنفعِها، ونذكرُ فيه بيانَ معرفة اللذَّة، وأقسامها، ومراتبها، فنقول: أما اللذَّة ففُسِّرت بأنَّها إدراكُ المُلائم، كما أنَّ الألم إدراك المُنافي.
قال شيخنا: والصَّوابُ: أنْ يُقال: إدراكُ المُلائم يُسببُ اللذَّة، وإدراك المُنافي يُسبب الألم، فاللذَّة والألم يَنْشآن عن إدراك المُلائم والمُنافي، والإدراك سببٌ لهما، واللذَّة أظهر من كل ما يُعرَّف به، فإنها أمرٌ وجدانيٌّ، وإنما تُعْرَف بأسبابها وأحكامها. واللذَّة، والبهجةُ، والسرورُ، وقُرَّة العين، وطيب النَّفس، والنَّعيمُ ألفاظٌ مُتقاربةُ المعنى، وهي أمرٌ مطلوبٌ في الجملة، بل ذلك مقصود كلِّ حيٍّ، وذلك أمرٌ ضروريٌّ مِنْ وجوده، وذلك في المقاصد والغايات بمنزلة الحِسِّ والعلوم البديهية في المبادئ والمقدّمات، فإنَّ كل حيٍّ له علمٌ وإحساسٌ، وله عملٌ وإرادةٌ، وعلمُ الإنسان لا يجوزُ أن يكون كلُّه نظريًّا استدلاليًّا؛ لاستحالة الدَّور والتسلسل، بل لابدَّ له مِنْ علمٍ أوَّليٍّ بديهيٍّ، يَبْدَهُ النَّفسَ، ويبتدئ فيها، فلذلك يُسمَّى بديهيًّا وأوَّليًّا، وهو من نوع ما تُضطرُّ إليه النَّفس، فيُسمَّى ضروريًّا.