للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنَّ صاحبَها منتصبٌ لمعاداة كلِّ منْ تعاظم وترأَس عليه. ولها شروطٌ وحقوقٌ [٦٢ ب] تُفوِّت على صاحبها كثيرًا من لذاته الحسِّيَّة، ولا يتمُّ إلا بتحمُّل مشاقّ وآلام أعظمَ منها. فليست هذه في الحقيقة بلذَّةٍ؛ وإن فرحت بها النفسُ، وسُرَّت بحصولها.

وقد قيل: إنَّه لا حقيقة للذَّة في الدُّنيا، وإنَّما غايتُها دفعُ آلامٍ، كما يُدفع ألمُ الجوع، والعطش، وألمُ الشهوة، بالأكل، والشرب، والجماع، وكذلك يُدفع ألمُ الخمول وسقوطِ القَدْرِ عند الناس بالرِّئاسة والجاه.

والتحقيقُ: أنَّ اللذَّة أمرٌ وجوديٌّ يستلزم دفع الألم بما بينهما من التضادِّ.

فصل

وأمَّا اللذَّة العقليةُ الرُّوحانية: فهي كلذَّةِ المعرفة، والعلم، والاتصاف بصفات الكمال: من الكرم، والجود، والعفَّة، والشَّجاعة، والصبر، والحِلْمِ، والمروءة وغيرها، فإن الالتذاذ بذلك من أعظم اللذَّات، وهو لذَّةُ النَّفس الفاضلة العُلوية الشريفة، فإذا انضمَّت اللذَّة بذلك إلى لذَّة معرفة الله تعالى، ومحبَّته، وعبادته وحده لا شريك له، والرِّضا به؛ عوضًا من كلِّ شيءٍ ــ ولا يُتعوَّض بغيره عنه ــ فصاحبُ هذه اللذَّة في جنَّةٍ عاجلةٍ نِسْبتُها إلى لذَّاتِ الدنيا، كنسبة لذَّة الجنَّة إلى لذَّة الدنيا، فإنه ليس للقلب والرُّوح ألذُّ، ولا أطيبُ، ولا أحلى، ولا أنعمُ من محبَّةِ الله، والإقبالِ عليه، وعبادته وحده، وقرة العين به، والأنس بقربه،

<<  <  ج: ص:  >  >>