يكون العارف عارفًا حتى لو أُعطي مُلْك سليمان؛ لم يشغلهُ عن الله طرفه عين. وقيل: العارف أنِسَ بالله، فأوحشه من غيره، وافتقر إلى الله، فأغناه عن خلقه، وذلَّ لله، فأعزَّهُ في خلقه.
وقال أبو سليمان الدَّارانيُّ: يُفتحُ للعارف على فراشه مالا يُفتح له وهو قائمٌ يُصلي.
وقال ذو النون: لكل شيء عقوبةٌ، وعقوبة العارف انقطاعه عن ذكر الله.
وبالجملة فحياةُ القلب مع الله لا حياة له بدون ذلك أبدًا، ومتى واطأ اللسانُ القلب في ذكره، واطأَ القلبُ مراد الحبيب منه، واستقلَّ له الكثير من قوله، وعمله، واستكثر له القليل من بره ولطفه، وعانق الطاعة، وفارق المخالفة، وخرج عن كله لمحبوبه، فلم يبق له منه شيءٌ، وامتلأ قلبه بتعظيمه، وإجلاله، وإيثار رضاه، وعز عليه الصبر عنه، وعدم القرار دون ذكره والرغبة إليه، والاشتياق إلى لقائه، ولم يجد الأُنس إلا بذكره، وحفظ حدوده، وآثره على غيره؛ فهو المحب حقًا.
وقال الجنيد: سمعت الحارث المُحاسبي يقول: المحبة ميلك إلى الشيء بكليتك، ثم إيثارُك له على نفسك، وزوجك، ومالك، ثم موافقتك له سرًّا وجهرًا، ثم علمك بتقصيرك في حبه.
وقيل: المحبةُ نارٌ في القلب تحرق ما سوى مراد الحبيب من محبِّه. وقيل: بل هي بذل المجهود في رضا الحبيب، ولا تصحُّ إلا