للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لحكمهما، وينبغي أن يتمرَّن على دفع الهوى المأمون العواقب؛ ليستمرَّ بذلك على ترك ما تؤذي عواقبُه.

وليعلم اللَّبيبُ أن مدمني [١٧٩ ب] الشَّهوات يصيرون إلى حالةٍ لا يلتذُّون بها، وهم مع ذلك لا يستطيعون تركها؛ لأنَّها قد صارت عندهم بمنزلة العيش الَّذي لا بُدَّ لهم منه، ولهذا ترى مدمن الخمر والجماع لا يلتذُّ به عشر معشار التذاذ من يفعله نادرًا في الأحيان، غير أنَّ العادة مقتضيةٌ ذلك، فيلقي نفسه في المهالك؛ لينل ما تطالبه به العادة، ولو زال عنه رَيْنُ الهوى لعلم أنَّه قد سعى من حيث قدَّر السَّعادة، واغتمَّ من حيث ظنَّ الفرح، وألم من حيث أراد اللَّذَّة. فهو كالطائر المخدوع بحبَّة الفخ، لا هو يأكل الحبَّة، ولا هو يخلُص ممَّا وقع فيه.

فإن قيل: فكيف يتخلَّص من هذا مَن قد وقع فيه؟

قيل: يمكنه التَّخلُّص بعون الله وتوفيقه له بأمور (١):

أحدها: بعزيمة حرٍّ يغار لنفسه وعليها.

الثاني: جُرْعةُ صبر تصبر نفسه على مرارتها تلك الساعة.

الثالث: قوَّة نفس تشجِّعه على شرب تلك الجُرعة، والشَّجاعة كلُّها صبر ساعةٍ، وخير عيشٍ أدركه العبد بصبره.


(١) انظر ذم الهوى (ص ١٣ وما بعدها).

<<  <  ج: ص:  >  >>