يطيع الله، ويتَّبع أمره، ويتوكَّل عليه بأحدهما، والآخرُ لغيره، بل ليس له إلا قلبٌ واحدٌ، فإن لم يفرد بالتوكل، والمحبة، والتقوى ربَّه، وإلَّا انصرف ذلك إلى غيره. ثم استطرد من ذلك إلى أنه سبحانه لم يجعل زوجة الرجل أُمه، واستطرد منه إلى أنه لم يجعل دعيَّه ابنه؛ فانظر ما أحسن هذا التأصيل، وهذا الاستطراد الذي تسجد له العقولُ والألباب، وله نظائر في القرآن عديدةٌ، فمنها قوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٨٩) فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الأعراف/١٨٩ ــ ١٩٠].
فالنَّفسُ الواحدةُ وزوجُها آدمُ وحوَّاء، واللَّذان جعلا له شركاء فيما آتاهما المشركون من أولادهما، ولا يُلتفت إلى غير ذلك مما قيل: إن آدم وحواء كانا لا يعيش لهما ولدٌ، فأتاهما إبليس، فقال: إن أحببتما أن يعيش لكما ولدٌ؛ فسمِّياه عبد الحارث، ففعلا (١)، فإن الله سبحانه اجتباه وهداه، فلم يكن ليشرك به بعد ذلك.
(١) ورد ذلك في حديث أخرجه أحمد (٥/ ١١)، والترمذي (٣٠٧٧) من طريق عمر ابن إبراهيم عن قتادة عن الحسن عن سمرة مرفوعًا. وذكر ابن كثير في تفسيره (٤/ ١٥٢٧) أن هذا الحديث معلول من ثلاثة أوجه، ثم بيَّنها. وأما الآثار الواردة عن بعض الصحابة والتابعين في هذا الباب فأصلها مأخوذ من أهل الكتاب.