آخر:«خلقتُك لنفسي فلا تلعبْ، وتكفَّلتُ لك برزقك فلا تتعبْ، يا ابن آدم اطلبني تجدْني، فإنْ وجدتَّني؛ وجدت كل شيء، وإن فُتُّك؛ فاتك كل شيء، وأنا خيرٌ لك من كل شيء».
ويغارُ على لسانه أن يتعطَّل من ذكره ويشتغل بذكر غيره، ويغار على جوارحه أن تتعطَّل من طاعته، وتشتغل بمعصيته، فيقبح بالعبد أن يغار مولاه الحقُّ [١١٥ أ] على قلبه، ولسانه، وجوارحه، وهو لا يغارُ عليها.
وإذا أراد الله بعبده خيرًا، سلَّط على قلبه ــ إذا أعرض عنه، واشتغل بحبِّ غيره ــ أنواع العذاب، حتى يرجع قلبُه إليه، وإذا اشتغلتْ جوارحُه بغير طاعته؛ ابتلاها بأنواع البلاء.
وهذا من غيرته سبحانه على عبده، وكما أنَّه سبحانه يغار على عبده المؤمن، فهو يغارُ له، ولحُرمته، فلا يُمكِّن المفسد أن يتوصَّل إلى حُرمته؛ غيرةً منه لعبده، فإنَّه سبحانه وتعالى يدافع عن الذين آمنوا، فيدفع عن قلوبهم، وجوارحهم، وأهلهم، وحريمهم، وأموالهم، يتولَّى سبحانه الدفع عن ذلك كلِّه غيرةً منه لهم، كما غاروا لمحارمه من نفوسهم، ومن غيرهم. والله تعالى يغار على إمائه وعبيده من المفسدين شرعًا وقدرًا، ومن أجل ذلك حرَّم الفواحش، وشرع عليها أعظم القربات، وأشنع القتلات؛ لشدَّة غيرته على إمائه وعبيده.
فإن عُطِّلت هذه العقوباتُ شرعًا؛ أجراها سبحانه قدرًا.