ومن قال: إنَّها مخلوقةٌ قبل ذلك فقد غلط، وأقبحُ منه قولُ من قال: هي قديمةٌ، أو تَوَقَّفَ في ذلك، بل الصَّوابُ في الجواب أن يقال: المحبَّةُ كما تقدَّم قسمان:
محبةٌ عَرَضِيَّةٌ غَرَضِيَّةٌ، فهذه لا يجبُ الاشتراك فيها، بل يقارنها مَقْتُ المحبوب وبغضُه للمحبِّ كَثيرًا، إلا إذا كان له معه غرضٌ نظيرُ غرضه، فإنَّه يحبُّه لغرضه منه، كما يكون بين الرَّجل والمرأة اللَّذَيْن لكلٍّ منهما غرضٌ مع صاحبه.
والقسم الثاني: محبَّةٌ رُوحانية سببُها المشاكلة والاتفاق بين الرُّوحين، فهذه لا تكون إلا من الجانِبَيْن ولابدَّ، فلو فَتَّش المُحبُّ المحبَّةَ الصادقةَ قلبَ المحبوب لوجدَ عنده من محبَّته نظيرَ ما عنده، أو دونه، أو فوقه.
فصل
وإذا كانت المحبَّةُ من الجانِبَيْن استراحَ بها كلُّ واحدٍ من المُحبَّيْن، وسكَّن ذلك بعضَ ما به، وعدَّه نوعًا من الوِصَال، وقالت امرأةٌ من [٣٠ ب] العرب (١):
حَجَجْتُ ولم أحْجُجْ لذنبٍ عمِلتُه ... ولكن لتُعْدِيني عَلَى قاطع الحَبْلِ
(١) الأبيات لامرأة في «الواضح المبين» (ص ٥٢). وتُنسب لقيس بن الملوح (المجنون) في «لباب الآداب» لابن منقذ (ص ٤١٤)، وعنه في «ديوانه» (ص ٢٣٢).