للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا صحيحٌ من وجهٍ، فإنَّ المناسبة عِلَّةُ الضَّمِّ شَرْعًا وقدرًا، وشاهِدُ هذا بالاعتبار: أنَّ أحبَّ الأغذية إلى الحيوان ما كان أشبَه بجوهر بدنه، وأكثرَه مناسبةً له، وكلَّما قويت المناسبة بين الغاذي والغذاء كان ميلُ النفس إليه أكثر، وكلَّما بعدت المناسبة حصلت النُّفرةُ عنه، ولا ريبَ أنَّ هذا قَدْرٌ زائدٌ على مجرَّد الحسن والجمال، ولهذا كانت النفوسُ الشريفة الزكيَّةُ العُلْويَّة تعشقُ صفاتِ الكمال بالذَّات، فأحبُّ شيء إليها العلمُ، والشَّجاعةُ، والعفَّةُ، والجودُ، والإحسانُ، والصبر (١)، والثباتُ؛ لمناسبة هذه الأوصاف لجوهرها، بخلاف النفوس اللئيمة الدنيَّة فإنَّها بِمعْزِلٍ عن محبَّة هذه الصفات، وكثيرٌ من الناس يحملُه على الجود والإحسان فرطُ عشقه ومحبَّتِه له، واللَّذَّةُ التي يجدُها (٢) في بذله، كما قال المأمون: لقد حُبِّبَ إليَّ العفوُ حتى خشيتُ ألَّا أُؤْجَر عليه [٢٧ أ].

وقيل للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى (٣): تعلَّمتَ هذا العلمَ لله؟ فقال: أمَّا لله فعزيز، ولكنْ شيءٌ حُبِّبَ إليَّ، ففعلتُه.

وقال آخر: إنِّي لأفرحُ بالعطاءِ، وأَلْتَذُّ به أعظمَ مما يفرحُ الآخذُ بما يأخذه مني.


(١) ش: «والتصبر».
(٢) بعدها في ش زيادة «المحب».
(٣) «بن حنبل ... تعالى» ساقطة من ت.

<<  <  ج: ص:  >  >>