للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونظير هذا الاستطراد قوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ [١٠٩ أ] لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة/١٨٩] ثم قال: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} [البقرة/١٨٩] فإنهم كانوا يفعلون ذلك في الإحرام، فلما ذكر لهم وقت الإحرام الذي هو من فوائد الأهلة؛ استطرد منه إلى ذكر ما يفعلونه فيه، وهو كثيرٌ جدًّا.

والمقصود: أن المحبة تستلزم توحيد المحبوب فيها، وقد بالغ أبو محمد بن حزم في إنكاره على من يزعم أنه يعشق أكثر من واحدٍ، وقال في ذلك شعرًا، ونحن نذكر كلامه وشعره. قال بعد كلام طويل (١): ومن هذا دخل الغلط على من يزعم: أنه يحب اثنين، ويعشقُ شخصين متغايرين، وإنما هذا من جهة الشهوة التي ذكرنا آنفًا، وهي على المجاز تُسمَّى: محبةً، لا على التحقيق وأما نفس المحب فما في الميل به فضلٌ يصرفُه من أسباب دينه ودنياه، فكيف الاشتغال بحبٍّ ثانٍ، وفي ذلك أقول (٢):

كذب المدَّعي هوى اثنين حتمًا ... مثل ما في الأُصول أُكذِبَ ماني

ليس في القلب موضعٌ لحبيبيـ ... ـن ولا أحدثَ الأمورَ اثْنانِ

فكما العقلُ واحدٌ ليس يدري ... خالقًا غير واحد رحمن


(١) طوق الحمامة (ص ٤٥).
(٢) المؤلف نقل عن ابن حزم في طوق الحمامة (ص ٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>