ذلك ــ أي: قولي هذا، وإقراري ببراءته ــ ليعلم أني لم أخنه بالكذب عليه في غيبته، وإن خنتُه في وجهه في أوَّل الأمر، فالآن يعلم أني لم أخُنْهُ في غيبته، ثم اعتذرت عن نفسها بقولها:{وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي}[يوسف/٥٣].
ثم ذكرت السبب الذي لأجله لم تبرِّئ نفسها، وهي: أن النفس أمارةٌ بالسوءِ. فتأمَّل ما أعجب أمر هذه المرأة! أقرَّت بالحقِّ، واعتذرت عن محبوبها، ثُمَّ اعتذرت عن نفسها، ثُمَّ ذكرت السبب الحامل لها على ما فعلت، ثُمَّ ختمت ذلك بالطمع في مغفرة الله ورحمته، وأنه إن لم يرحم عبده، وإلا فهو عُرضةٌ للشر. فوازن بين هذا وبين تقدير كون هذا الكلام كلام يوسف لفظًا، ومعنى، وتأمَّل ما بين التَّقديرين [١٢٢ أ] من التفاوُت. ولا تستبعد أن تقول المرأةُ هذا وهي على دين الشرك، فإن القوم كانوا يُقرُّون بالرَّبِّ سبحانه وتعالى وبحقِّه؛ وإن أشركوا معه غيره، ولا تنس قول سيِّدها لها في أول الحال:{وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ}[يوسف/٢٩].
فصل
وفي الصحيحين (١) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: