وكانت المرأة ذات منصبٍ وجمالٍ، والداعي مع ذلك أقوى من داعي من ليست كذلك، وكانت هي المطالبة، فتزول بذلك كُلْفةُ تعرُّض الرَّجل، وطلبه، وخوفه من عدم الإجابة، وزادت مع الطلب الرغبةُ التامَّةُ والمراودةُ التي يزولُ معها ظنُّ الامتحان والاختبار؛ ليعلم عفافه من فجوره، وكانت في محل سُلطانها وبيتها، بحيث تعرف بحال وقت الإمكان ومكانه الذي لا تنالُه العيونُ، وزادت مع ذلك تغليق الأبواب؛ لتأمن هجوم الدَّاخل على بغتةٍ، وأتته بالرَّغبة، والرَّهبة، ومع هذا كلِّه فعفَّ لله، ولم يُطِعْها، وقدَّم حقَّ الله، وحقَّ سيدها على ذلك كلِّه، وهذا أمر لو ابْتُليَ به سواه؛ لم يُعْلَم كيف كانت تكون حالُه.
فإنْ قيل: فقد همَّ بها.
قيل عنه جوابان:
أحدهما: أنه لم يَهُمَّ بها، بل لولا أن رأى برهان ربِّه لهَمَّ. هذا قولُ بعضهم في تقدير الآية.
والثاني ــ وهو [١٢١ أ] الصواب ــ: أن همَّه كان همَّ خطرات، فتركه لله، فأثابه الله عليه، وهمُّها كان همَّ إصرارٍ بذلت معه جُهْدَها، فلم تصلْ إليه، فلم يستوِ الهَمَّان.
قال الإمامُ أحمد: الهمُّ همَّان: همُّ خطراتٍ، وهمُّ إصرارٍ، فهمُّ الخطرات لا يُؤاخذ به، وهمُّ الإصرار يُؤاخذ به.
فإن قيل: فكيف قال وقت ظهور براءته: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي}[يوسف: ٥٣].