وارتياحه لكل سبب يدنيه منه، ويستحمدهُ عنده إذا بلغه عنه. وفي هذا الباب عجائب للمحبين، [١٠٦ ب] فكثيرٌ منهم هجر طعامًا، أو لباسًا، أو أرضًا، أو صناعةً، أو حالةً من الحالات كان محبوبه يمقُتها، فلم يعد إليها أبدًا، ولم تطاوعه نفسه بفعلها ألبتة، وكثيرٌ منهم حمله الحب على اكتساب المعالي، والفضائل، وغيرها مما يعلم أن المحبوب يُعظِّمه، ويحبُّه، وهذا نوعان أيضًا:
أحدهما: أن يكون المحبوب مُؤثرًا لذلك محبًّا له، فالمحب يبذُل جهده فيه، لينال منه أعلاه، إن أمكنه، فإن كان المحبوب مشغوفًا بجمع المال، أثَّر ذلك في مُحبّه شغفًا أشدَّ من شغفه، وإن كان مشغوفًا بالعلم، اجتهد المحبُّ في طلبه أشدَّ من اجتهاده، وإن كان مشغوفًا بحرفةٍ، أو صناعةٍ، حرص المحبُّ على تعلُّمها؛ إن وجد إلى ذلك سبيلًا، وإن كان مشغوفًا بالنَّوادر، والحكايات الحِسان، والأخبار المستحسنة بالغ المحبُّ في تحفُّظها.
فالمحبَّة النافعة أن تقع على عشِيق كامل يحملك عشقه على طلب الكمال، والبليَّةُ كلُّ البليَّة أن تُبتَلى بمحبَّة فارغٍ بطَّال صفْرٍ من كل خير، فيحمِلُك حبُّه على التشبُّه به.
والثاني: أن يكون المحبوب فارغًا من محبة ذلك وإيثاره، ولكنَّ المحبَّة تستخرجُ منْ قلب المُحِبِّ عزمًا، وإرادة، وحرصًا على ما يعظُم به في عين المحبوب وقلبه، فتجده من أحرص الناس على ذلك بحسب