الضَّرورة، والشَّهوةُ المجرَّدة لا تلتحق بالضرورات، ولا بالحاجات، والحِمْيَةُ [٥١ ب] عنها خشيةَ إفضائها إلى مرضٍ أصعبَ منها، جارٍ مجرى الحمية عن تناول ما يضرُّ من الأطعمة والأشربة، وذلك لا تدعو الضرورةُ إلى تناوُله؛ وإنْ كانت النفسُ قد تشتهيه، فالقُبْلة، والنَّظرُ، والضَّمُّ، ونحوها جارٍ مجرى تناول الفاكهة المضرَّة، والزَّفرِ المُضرِّ للمحموم، وَمن به مرض يضرُّه معه تناولُ ذلك. فإذا قال المريض: أنا إنْ لم أتناول ذلك، وإلا خشيتُ الموت لم يكن صادقًا في قوله، وإنما الحاملُ له على ذلك مجردُ الشهوة، وربما زاد تناول ذلك في مرضه، فالطبيبُ الناصح لا يفسحُ له فيه، فكيف يفسحُ الشارع الحكيم الذي شريعته غاية طبِّ القلوب والأديان، وبها تُحفظ صحَّتُها، وتدفع موادُّها الفاسدة في تناوُل ما يزيد الدَّاء ويقوِّيه ويمدُّه؟ هذا من المُحال، بل الشريعةُ تأْمر بالحِمْيَةِ عن أسباب هذا الدَّاء؛ خوفًا من استحكامه، وتولُّدِ داءٍ آخر أصعبَ منه.
وأمَّا مسألة مَنْ خاف تشقُّق أُنْثَيَيْه، وأنَّه يباح له الوَطْءُ في رمضان؛ فهذا ليس على إطلاقه، بل إنْ أمكنه إخراجُ مائه بغير الوَطءِ لم يجُزْ له الوَطءُ بلا نزاع، وإن لم يمكنه ذلك إلا بالوطء المباح؛ فإنَّه يجري مجرى الإفطار لعذر المرض، ثمَّ يقضي ذلك اليوم، والإفطار بالمرض لا يتوقَّف على خوف الهلاك، فكيف إذا خاف تلف عُضو من أعضاء القايل، بل هذا نظيرُ من اشتدَّ عطشه، وخاف إن لم يشرب أن يَحْدُثَ له داءٌ من الأدواء، أو يتلفَ عضوٌ من أعضائه، فإنَّه يجوز له الشربُ، ثم