الوطء، وقوله:«من استطاع منكم الباءة فليتزوَّج» فُسِّرت الباءة بالوَطء، وفُسِّرت بمؤن النكاح، ولا ينافي التفسير الأوَّل؛ إذ المعنى على هذا: مُؤَنُ الباءة ثم قال: «ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاءٌ» فأرشدهم إلى الدَّواء الشافي؛ الذي وُضِع لهذا الأمر.
ثم نقلهم عنه عند العجز إلى البدل وهو الصَّومُ، فإنَّه يكسرُ شهوة النَّفس، ويُضيِّق عليها مجاري الشهوة، فإنَّ هذه الشَّهوة تقوى بكثرة الغذاء وكيفيته، فكمِّيَّةُ الغذاء، وكيفيتُه يزيدان في توليدها، والصَّومُ يُضيِّق عليها ذلك، فيَصيرُ بمنزلة وِجَاء الفحْل، وقلَّ من أَدْمن الصَّومَ إلا وماتت شهوتُه، أو ضعُفت جدًّا، والصَّومُ المشروع يُعَدِّلها، واعتدالُها حسنةٌ بين سيئتين، ووسطٌ بين طرفين مذمومين، وهما العُنَّة والغُلْمة الشَّديدة المُفْرِطة، وكلاهما خارجٌ عن الاعتدال:
كلا طَرَفي قَصدِ الأمور ذميمُ
و «خيرُ الأمور أوساطها» والأخلاقُ الفاضلة كلُّها [٨٣ أ] وسطٌ بين طرفي إفراطٍ وتفريط، وكذلك الدِّين المستقيم وسطٌ بين انحرافين، وكذلك السُّنَّة وسطٌ بين بِدْعتين، وكذلك الصوابُ في مسائل النِّزاع إذا شئت أن تحظَى به؛ فهو القولُ الوسط بين الطرفين المتباعدين، وليس هذا موضع تفصيل هذه الجملة، فإنَّا لم نقصد له، وبالله التوفيق.