للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا ريب أنَّ هذه الغيرة محمودةٌ في محبة من لا يحسُن مشاركة المحب فيه، وسيأتي ذلك في باب الغيرة على المحبوب.

[١٠٣ ب] فصل

ومنها: بذلُ المحب في رضا محبوبه ما يقدر عليه مما كان يتمتع به بدون المحبة، وللمحب في هذا ثلاثةُ أحوال: أحدها: بذله ذلك تكلفًا، ومشقَّةً، وهذا في أوَّل الأمر، فإذا قويت المحبةُ، بذله رضًا وطوعًا، فإذا تمكنت من القلب غاية التَّمكن، بذله سؤالًا وتضرُّعًا، كأنَّه يأخذُه من المحبوب حتى إنه ليبذُل نفسه دون محبوبه، كما كان الصحابة يقونَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحرب بنفوسهم، حتى يصرَّعوا حوله:

ولي فؤادٌ إذا لجَّ الغرامُ به ... هام اشتياقًا إلى لُقْيا مُعذِّبه (١)

يفديك بالنفس صبٌّ لو يكون له ... أعزُّ من نفسه شيءٌ فداك به

ومن آثر محبوبه بنفسه فهو له بماله أشدُّ إيثارًا، قال الله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب/٦] ولا يتمُّ لهم مقام الإيمان حتى يكون الرسول أحبَّ إليهم من أنفسهم فضلًا عن أبنائهم وآبائهم، كما صحَّ


(١) البيتان للوأواء الدمشقي في ديوانه (ص ٤٥)، وللبحتري في ديوانه (١/ ٣٠٣). وقال: وتُروى لابن كيغلغ، ولأبي العتاهية في محاضرات الأدباء (٣/ ٥٢)، وعنه في ديوانه (ص ٤٩٩). وبلا نسبة في الزهرة (١/ ٧٠)، والمحب والمحبوب (٢/ ٨٠)، والأول لأبي عثمان الخالدي في التذكرة الحمدونية (٦/ ١٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>