للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

وكما أنَّ الجمال الباطن من أعظم نعم الله على عبده؛ فالجمالُ الظاهر نعمةٌ منه أيضًا على عبده، يُوجب شكرًا، فإن شكره بتقواه وصيانته؛ ازداد جمالًا على جماله، وإن استعمل جماله في معاصيه سبحانه؛ قلبه له شَيْنًا ظاهرًا في الدنيا قبل الآخرة، فتعودُ تلك المحاسنُ وحشةً، وقبحًا، وشينًا، وينفر عنه من رآه، فكلُّ منْ لم يتَّقِ الله في حسنه وجماله؛ انقلب قبحًا وشينًا يشينه به بين الناس، فحسن الباطن يعلو قبح الظاهر ويستره، وقبحُ الباطن يعلو جمال الظاهر ويستره.

وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو الناس إلى جمال الباطن بجمال الظاهر، كما قال جرير بن عبد الله، وكان عمر بن الخطاب يُسميه: يوسف هذه الأمة، قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أنت امرُؤٌ قد أحسنَ الله خَلْقك، فأحسِنْ خُلُقك» (١).

وقال بعض الحكماء (٢): ينبغي للعبد أن ينظر كلَّ يوم في المرآة، فإن رأى صورته حسنةً؛ لم يشنها بقبيح فعله، وإن رآها قبيحةً؛ لم يجمعْ بين قُبح الصورة، وقُبح الفعل.

ولمَّا كان الجمال من حيث هو محبوبًا للنفوس، معظمًا في القلوب؛


(١) أخرجه الخرائطي (ص ١٦٠).
(٢) انظر اعتلال القلوب (ص ١٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>