للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يومًا؟ قلتُ: إي والله! فأخذني النّثار من كلِّ جانب.

وقال عبد الرزاق (١): بعثَ أبو جعفر الخشَّابين حين خرج إلى مكَّة، وقال: إن رأيتم سفيانَ فاصلبُوه، فجاؤوا، ونصبوا الخَشب، وطُلِبَ ورأسُه في حجر الفضيل، فقال له أصحابه: اتقِ الله عزَّ وجلَّ، ولا تشمت بنا الأعداء! فتقدَّم إلى [١٨٥ أ] الأستار، ثم أخذها بيده، وقال: برئتُ منه إن دخلها أبو جعفر! فمات قبل أن يدخل مكَّة، فتأمَّل عاقبةَ مخالفة الهوى؛ كيف أقامه في هذا المقام؟!

التَّاسع والأربعون: أنَّ مخالفة الهوى توجبُ شرف الدنيا، وشرف الآخرة، وعزَّ الظَّاهر، وعزَّ الباطن، ومتابعته تضع العبد في الدنيا والآخرة، وتُذِلُّه في الظَّاهر وفي الباطن، وإذا جمع الله النَّاس في صعيدٍ واحدٍ نادى منادٍ: ليعلَمْ أهل الجمع من أهل الكرم اليومَ! ألا ليقم المتقون! فيقومون إلى محلِّ الكرامة، وأتباع الهوى ناكسو رؤوسهم في الموقف في حرِّ الهوى، وعَرَقه، وأَلَمِه، وأولئك في ظلِّ العرش.

الخمسون: أنَّك إذا تأمَّلت السَّبعة الَّذين يُظلُّهم الله ــ عزَّ وجلَّ ــ في ظلِّ عرشه يوم لا ظلَّ إلَّا ظله؛ وجدتهم إنَّما نالوا ذلك الظلَّ بمخالفة الهوى، فإنَّ الإمام المُسلَّط القادر لا يتمكَّن من العدل إلَّا بمخالفة هواه. فإن الشَّابَّ المؤثرَ لعبادة ربه على داعي شبابه لولا مخالفةُ هواه؛ لم


(١) المصدر نفسه (ص ٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>