ولهذا يثابُ المؤمنُ على كلِّ ما يلتذُّ به من المباحات؛ إذا قصد به الإعانة، والتوصُّل إلى لذَّة الآخرة، ونعيمها، فلا نسبة بين لذَّة الحرام ولذَّة صاحب الزَّوجة، أو الأمةِ الجميلة؛ التي يحبها، وعينُه قد قَرَّت بها، فإنَّه إذا باشرها، والتذَّ قلبُه، وبدنُه، ونفسُه بوصالها؛ أُثيب على تلك اللذة في مقابلة عقوبة صاحب اللذَّة المحرَّمة على لذَّته،، كما قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «وفي بُضْع أحَدِكُمْ أجْرٌ». قَالُوا: يا رسول الله! يأْتي أحدُنا شهْوتَهُ ويكون لهُ فيها أجْرٌ؟! قال:«أرأيْتُمْ لَوْ وَضَعها في الحَرامِ أكانَ عليهِ وِزْرٌ؟» قالوا: نعم. قال:«فكذلك إذا وضعها في الحلال يكونُ لهُ أجرٌ»(١).
واعلم أنَّ هذه اللذَّةَ تتضاعف، وتتزايد بحسب ما عند العبد من الإقبال على الله، وإخلاص العمل له، والرَّغبة في الدار الآخرة، فإنَّ الشهوة واللذاذة المنقسمة في الصُّور اجتمعت [٦٠ أ] له في صورةٍ واحدة، والخوف والهمَّ والغمَّ الذي في اللَّذة المحرَّمة معدومٌ في لذَّته، فإذا اتفق له مع هذا صورةٌ جميلةٌ، ورُزق حُبَّها، ورُزقت حُبَّه، وانصرفت دواعي شهوته إليها، وقصر بصره عن النَّظر إلى سواها، ونفسه عن التطلُّع إلى غيرها، فلا مناسبة بين لذَّته ولذَّة صاحب الصورة المحرَّمة، وهذا أطيب نعيم يُنالُ من الدُّنيا، وجعله النبي - صلى الله عليه وسلم - ثالث ثلاثة بها يُنال خيرُ الدُّنيا والآخرة، وهي: «قلبٌ شاكرٌ، ولسانٌ ذاكرٌ، وزوجةٌ حسناءُ،