وقالت فرقةٌ أُخرى: بل هو اختياريٌّ تابعٌ لهوى النفس وإرادتها، بل هو استحكامُ الهوى الذي مدح الله مَنْ نهى عنه نفسَه، فقال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ [٥٦ أ] هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات/٤٠ ــ ٤١].
فمحالٌ أن ينهى الإنسانُ نفسَه عما لا يدخلُ تحت قدرته.
قالوا: والعشقُ حركةٌ اختياريةٌ للنَّفس إلى نحو محبوبها، وليس بمنزلة الحركات الاضطرارية التي لا تدخلُ تحت قدرة العبد.
قالوا: وقد ذمَّ الله سبحانه وتعالى أصحاب المحبَّة الفاسدة الذي يُحبُّون من دونه أندادًا، ولو كانت المحبَّةُ اضطراريةً، لما ذُمُّوا على ذلك.
قالوا: ولأن المحبَّةَ إرادةٌ قويَّةٌ، والعبدُ يُحْمدُ، ويُذَمُّ على إرادتِه، ولهذا يُحْمَد مُريدُ الخير، وإن لم يفعلْه، ويُذَمّ مريدُ الشرِّ، وإن لم يفعلْه.
وقد ذمَّ الله تعالى الذين يُحِبُّون أن تَشيعَ الفاحشةُ في الذين آمنوا، وأخبرَ أنَّ لهم عذابًا أليمًا.
ولو كانت المحبَّةُ لا تُملك لم يتوعَّدْهم بالعذابِ على ما لا يدخلُ تحت قُدرتهم.
قالوا: والعقلاءُ قاطبةً مُطْبِقُون على لوم من يُحِبُّ ما يتضرَّر بمحبَّتِه، وهذا فطرةٌ فطرَ الله عليها الخلقَ، فلو اعتذرَ بأني لا أملكُ قلبي؛ لم يقبلُوا له