وقد اختلفَ الفقهاءُ: هل يجبُ على الزَّوج مجامعةُ امرأته؟ فقالت طائفة: لا يجب عليه ذلك، فإنَّه حقٌّ له، فإن شاء استوفاه، وإن شاء تركه، بمنزلة من استأْجرَ دارًا، إن شاء سكنَها، وإن شاء تركَها (١).
وهذا من أضعف الأقوالِ، والقرآنُ والسُّنَّةُ والعُرْفُ والقياسُ يرُدُّه، أما القرآن، فإنَّ الله سبحانه وتعالى قال:{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[البقرة/٢٢٨] فأخبر أنَّ للمرأة من الحقِّ مثل الذي عليها، فإذا كان الجماعُ حقًّا للزَّوج عليها؛ فهو حقٌ لها على الزَّوج بنصِّ القرآن، وأيضًا فإنَّه سبحانه وتعالى أمرَ الأزواج أن يُعاشروا الزوجات بالمعروف، ومنْ ضدِّ المعروف أن يكون عنده شابَّةٌ، شهوتُها تعدِلُ شهوة الرجل، أو تزيد عليها بأضعاف مضاعفة، ولا يُذيقُها لذَّة الوطء مرَّة واحدةً، ومن زعم: أنَّ هذا من المعروف؛ كفاه طبعُه ردًّا عليه. والله سبحانه وتعالى إنَّما أباح للأزواج إمساك نسائهم على هذا الوجه، لا على غيره، فقال تعالى:{فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}[البقرة/٢٢٩].
وقال طائفةٌ: يجب عليه وَطْؤُها في العُمْر مرّةً واحدةً؛ ليستقرَّ لها بذلك الصَّداق. وهذا من جنس القول الأوَّل، وهو باطلٌ من وجهٍ آخر، فإنَّ المقصود إنَّما هو المعاشرةُ بالمعروف، والصَّداقُ دخل في العقْد تعظيمًا لحُرْمته، وفرقًا بينه وبين السِّفاح، فوجوبُ المقصود بالنّكاح