ويغار إذا عُصي محبوبُه، وانْتُهِك حقُّه، وضُيِّع أمرُه، فهذه غيرة المحب حقًّا، والدِّينُ كلُّه تحت هذه الغيرة.
فأقوى الناس دينًا أعظمُهم غيرةً، وقد قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح (١): «أتعجبُون من غيرة سعدٍ، لأنا أغْيَرُ منه، والله أغيرُ منِّي!».
فمحبُّ الله ورسوله يغار لله ورسوله على قدر محبَّته وإجلاله، وإذا خلا قلبُه من الغيرة لله ورسوله فهو من المحبة أخلى، وإن زعم أنَّه من المُحبِّين، فكذب من ادَّعى محبَّة محبوبٍ من الناس، وهو يرى غيره ينتهكُ حُرمة محبوبه، ويسعى في أذاه ومساخطه، ويستهين بحقِّه، ويستخفُّ بأمره، وهو لا يغار لذلك، بل قلبه باردٌ، فكيف يصحُّ لعبدٍ أن يدَّعي محبَّة الله؛ وهو لا يغارُ لمحارمه إذا انْتُهِكت، ولا لحقوقه إذا ضُيِّعت.
وأقلُّ الأقسام أن يغار له من نفسه، وهواه، وشيطانه، فيغار لمحبوبه من تفريطه في حقِّه، وارتكابه لمعصيته.
وإذا ترحَّلتْ هذه الغيرةُ من القلب؛ ترحَّلتْ منه [١٠٣ أ] المحبَّةُ، بل ترحَّل منه الدِّين، وإن بقيت فيه آثاره، وهذه الغيرة هي أصلُ الجهاد، والأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، وهي الحاملة على ذلك، فإن خلتْ من القلب لم يُجاهد، ولم يأمر بالمعروف، ولم ينه عن المنكر، فإنه إنما
يأتي
(١) أخرجه البخاري (٦٨٤٦، ٧٤١٦)، ومسلم (١٤٩٩) من حديث المغيرة بن شعبة.