للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لا يؤمنُ أحدُكم حتَّى أكون أحبَّ إليه من ولده، ووالده، والنَّاس أجمعين» (١) وقال له عمر: والله يا رسول الله! لأنت أحبُّ إليَّ منْ كل شيء إلَّا من نفسي. فقال: «لا يا عُمَرُ! حتَّى أكون أحبَّ إليك من نفسك» قال: فوالله لأنت الآن أحب إليّ من نفسي! فقال: «الآن يا عُمر!» (٢).

فإذا كان هذا شأن محبة عبد ه ورسوله؛ فكيف بمحبته سبحانه؟ وهذا النوع من الحب لا يمكن أن يكون إلا لله ورسوله شرعًا وقدرًا، وإن وجد في الناس من يؤثر محبوبه بنفسه وماله؛ فذاك في الحقيقة إنما هو لمحبة غرضه منه، فحمله محبةُ غرضه على أن بذل فيه نفسه وماله، وليست محبتُه لذلك المحبوب لذاته، بل لغرضه منه، وهذا المحبوب له مثل، ولمحبته مثل، وأما محبة الله؛ فليس لها مثلٌ، ولا للمحبوب مثل، ولهذا حكَّم الصحابة [١٠٤ أ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أنفسهم وأموالهم، فقالوا: هذه أموالنا بين يديك، فاحكم فيها بما شئت، وهذه نفوسُنا بين يديك، لو استعرضت بنا البحر لخُضْناه، نقاتل من بين يديك، ومن خلفك، وعن يمينك، وعن شمالك. قال قيس بن صرمة الأنصاري (٣):


(١) تقدم تخريجه.
(٢) أخرجه البخاري (٣٦٩٤، ٦٢٦٤، ٦٦٣٢) من حديث أنس.
(٣) الأبيات في سيرة ابن هشام (١/ ٥١٢)، ودلائل النبوة للبيهقي (٢/ ٥١٣ - ٥١٤)، والاستيعاب (٢/ ٢٠٣ - ٢٠٤)، وزاد المعاد (٣/ ٥٣، ٥٤)، وفيها اسم القائل: أبو قيس صرمة بن قيس أو صرمة بن أبي أنس. وانظر الإصابة (٢/ ١٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>