للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا أفضى إلى دار النَّعيم؛ فهناك من أنواع اللَّذة، والبهجة، والسُّرور ما لا عينٌ رأت، ولا أُذُنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فبؤْسًا، وتعسًا للنفوس الوضيعة الدنيئة؛ التي لا يَهُزُّها الشوقُ إلى ذلك طربًا، ولا تَتَّقِدُ نارُ إرادتها لذلك رغبًا، ولا تبعد عمَّا يَصُدُّ عن ذلك رهبًا، فبصائرُها كما قيل (١):

خفافيشُ أعشاها النَّهارُ بضوئه ... ولاءَمَها قِطْعٌ من اللَّيل مظلمُ

تجول حول الحُشِّ؛ إذا جالت النفوس العلويَّةُ حول العرش، وتندسُّ في الأحجار؛ إذا طارت النُّفوس الزكيَّة إلى أعلى الأوكار.

فلم تَرَ أمثال الرِّجالِ تَفاوَتُوا ... إلى الفَضْلِ حتَّى عُدَّ أَلفٌ بواحدِ (٢)

فصل

وكلُّ لذَّةٍ أعقبت ألمًا، أو منعت لذَّةً أكمل منها؛ فليست بلذَّةٍ في الحقيقة، وإن غالطت النفس في الالتذاذ بها، فأيُّ لذَّة لآكل طعامٍ شهيٍّ مسمومٍ يُقَطِّع أمعاءَه عن قريب؟

وهذه هي لذَّات الكُفَّار والفُسَّاق بعلوِّهم في الأرض، وفسادهم،


(١) البيت لابن الرومي في «ديوانه» (ص ٩٢)، و «التمثيل والمحاضرة» (ص ٣٧٤) وقافيته «غَيْهبُ».
(٢) البيت للبحتري في «ديوانه» (١/ ٦٢٥)، و «التمثيل والمحاضرة» (ص ٤٣٥)، و «زهر الآداب» (١/ ٢٧٥). وفي النسختين: «ألف ألف بواحد».

<<  <  ج: ص:  >  >>