مُجَاشعٌ أنها جوابُ كلامٍ، وكان مجاشعٌ لا يكتب، والمرأة تكتب، فدعا بإناءٍ، فأكفأه على المكتوب، ودعا كاتبًا، فقرأه، فإذا هو: إني لأُحبُّك حبًّا لو كان فوقك؛ لأظلَّك، ولو كان تحتك؛ لأقلَّك، وبلغ نصرًا ما صنع مجاشع، فاستحيا، ولزم بيته، وضَنِي جسمه، حتى [١٤٤ ب] صار نصر كالفرخ، فقال مجاشع لامرأته: اذهبي إليه، فأسنديه إلى صدرك، وأطعميه الطعام بيدك، فأبت، فعزم عليها، فأتته، فأسندته إلى صدرها، وأطعمته الطعام بيدها، فلما تحامل؛ خرج من البصرة وهو يقول (١):
إن الذين بخيرٍ كُنتَ تذكُرُهمْ ... همْ أهلكوك وعنهم كنتُ أنهاكا
لا تطلبنَّ شفاءً عند غيرهم ... فليس يُحييك إلا من توفَّاكا
فإن قيل: فهل تبيح الشريعة مثل ذلك؟
قيل: إذا تعيَّن طريقًا للدَّواء، ونجاة العبد من الهلكة؛ لم يكن بأعظم من مداواة المرأة للرَّجل الأجنبي، ومداواته لها، ونظر الطبيب إلى بدن المريض، ومسه بيده للحاجة. وأما التداوي بالجماع؛ فلا يبيحُه الشرع بوجهٍ ما، وأما التداوي بالضم والقُبلة فإن تحقَّق الشفاءُ به؛ كان نظير التَّداوي بالخمر عند من يُبيحه، بل هذا أسهل من التداوي بالخمر، فإن شُربَهُ من الكبائر، وهذا الفعل من الصغائر. والمقصود أن الشفاعة للعشاق فيما يجوز من الوصال والتلاقي سنةٌ ماضيةٌ، وسعيٌ مشكورٌ.