بذلك غيرةً منه لربِّه، ولذلك جعل سبحانه علامة محبَّته ومحبوبيه الجهاد، فقال تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[المائدة/٥٤].
فصل
وأما الغيرة على المحبوب فإنما تُحمَدُ حيث يُحمَد الاختصاص بالمحبوب، ويُذمُّ الاشتراك فيه شرعًا، وعقلًا، كغيرة الإنسان على زوجته، وأمته، والشيء الذي يختصُّ هو به، فيغارُ من تعرُّض غيره لذكره، ومشاركته له فيه.
وهذه الغيرة تختص بالمخلوق، ولا تتصور في حق الخالق، بل المحب لربه يحبُّ أن الناس كلهم يحبونه، ويذكرونه، ويعبدونه، ويحمدونه، ولا شيء أقرَّ لعينه من ذلك، بل هو يدعو إلى ذلك بقوله، وعمله.
ولما لم يميِّز كثير من الصُّوفيَّة بين هذين الغيرتين؛ وقع في كلامهم تخبيطٌ قبيح، وأحسن أمره أن يكون من السعي المغفور، لا المشكور. وكان بعض جهلتهم إذا رأى من يذكر الله، أو يحبُّه يغارُ منه، وربما سكَّته؛ إن أمكنه، ويقول: غيرةُ المحب تحملني على هذا، وإنَّما ذلك حسدٌ، وبغْيٌ، وعدوانٌ، ونوعُ معاداةٍ لله، ومراغمةٌ لطريق رسله، أخرجوها في قالب الغيرة، وشبَّهوا محبَّة الله بمحبَّة الصُّور من المخلوقين.